تجارة الأعضاء في العراق .. أرقام صادمة وشهادات من قلب الجريمة

تجارة الاعضاء في العراق

تجارة الأعضاء في العراق

في شوارع المدن العراقية التي يعصف بها الفقر وتنهكها الأزمات، هناك جريمة صامتة، تجارة الأعضاء في العراق تنمو في الزوايا المظلمة وتتمدد بين فواصل الغياب القانوني والتعب العام.

تجارة الأعضاء في العراق لم تعد مجرد شائعة سوداء، بل واقع يلتهم حياة الأبرياء، خاصة أولئك الذين لا يملكون من حطام الدنيا سوى أجسادهم.

من مستشفيات الظل إلى شبكات تتجاوز الحدود

بعيدا عن أعين القانون وأجهزة الدولة، تتوسع شبكات متخصصة في انتزاع أعضاء البشر، ليس فقط من الفقراء، بل من اليائسين، من أولئك الذين يتركون لمصيرهم في مجتمعات تئن تحت وطأة الانهيار.

يستدرج الضحايا تحت مسميات “التبرع”، لكن الحقيقة أقسى بكثير: اختطاف، تخدير، وبيع قطع من الجسد كأنها بضائع في مزاد سؤي.

2300 ضحية… العراق في قلب العاصفة العالمية للاتجار بالبشر

كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق عن أرقام صادمة تؤكد أن العراق لم يعد مجرد ملتقى للأزمات، بل أصبح ساحة مركزية في معركة الاتجار بالبشر على المستوى العالمي.

2300 ضحية عراقية سجلت خلال ثلاث سنوات فقط، بينما تجاوز عدد المتهمين والشبكات التي تم تفكيكها عتبة الـ1800 جهة إجرامية، بحسب ما أكده رئيس المركز فاضل الغراوي، الذي وصف عامي 2024-2025 بـ”الأشد خطراً” على الفئات الهشة في العراق.

وفي ظل تزايد عالمي للظاهرة، حيث تجاوز عدد الضحايا 28 مليونا خلال عام 2024، بنسبة ارتفاع بلغت 12% عن العام السابق، تتنوع أساليب الاستغلال بشكل مرعب، بدءا من العمل القسري الذي يشكل نصف الحالات المسجلة، مرورا بالاستغلال الجنسي بنسبة 38%، وانتهاء بالزواج القسري والاتجار بالأعضاء البشرية، والتي تمثل ما يقرب من 12% من ضحايا العالم.

تطور تجارة الأعضاء البشرية في العراق 2022–2025

العامعدد الضحايا المسجلينعدد الشبكات أو المتهمينأبرز المحافظات المتأثرةالإجراءات الحكومية المتخذة
2022620430بغداد، البصرةتشكيل لجان رصد وتحقيق أولية
2023710520نينوى، ديالى، بغدادحملات تفتيش محدودة، إغلاق بعض العيادات
2024970650الأنبار، كركوك، السليمانيةإيواء 158 ضحية، توقيف 162 متهماً
2025 (حتى مايو)550220بغداد، النجف، ذي قارتطوير قواعد بيانات، تعاون دولي محدود

اقرا ايضا: محمد الحلبوسي .. رئيس البرلمان العراقي لدورتين متتاليتين

تجارة الأعضاء في العراق

العراق يشهد تناميا في أشكال الاتجار بالبشر

الأرقام الدولية لم تكن بعيدة عن الواقع المحلي، فالغراوي يؤكد أن العراق يشهد تناميا في أشكال الاتجار، أبرزها العمل القسري في الزراعة والبناء والخدمات المنزلية، إلى جانب التسول القسري واستغلال النساء والأطفال في أنشطة مخالفة للقانون، وأخطرها تجارة الأعضاء البشرية، التي ارتفعت معدلاتها بشكل ملحوظ في المحافظات ذات الوضع الاقتصادي الهش.

ورغم الجهود المبذولة، ومن ضمنها القبض على 162 متهما ببيع الأعضاء خلال عام 2024 وحده، وإيواء 158 ضحية في مراكز الحماية، فإن التقارير الدولية لا تزال تبقي العراق في قائمة الدول الخاضعة للمراقبة.

تقرير وزارة الخارجية الأمريكية صنف العراق في الفئة الثانية تحت المراقبة، ما يعني أن التقدّم لا يزال أقل من المطلوب، وأن الدولة بحاجة إلى توسيع تحقيقاتها ومحاسبة المتاجرين بصرامة أكبر.

ويرى الغراوي أن الإشكال لا يكمن فقط في نقص القوانين، بل في ضعف تطبيقها، داعيا إلى تطوير التشريعات المحلية لتتوافق مع البروتوكولات الدولية، وتكثيف الوعي المجتمعي، خصوصا في المناطق التي تشكل بيئة خصبة لنشاط العصابات العابرة للحدود.

كما طالب بتفعيل آليات الإنذار المبكر، وإنشاء منظومات دعم نفسي وقانوني واجتماعي للضحايا، حتى لا تبقى الاستجابة الأمنية وحدها هي الحل.

مأساة حمزة .. “بعت كليتي… وما انحلت المشكلة”

الشاب حمزة حسين (22 عاما)، واحد من هؤلاء الذين أرغمهم الفقر على اتخاذ قرارات مصيرية.

بعد وفاة والده، وجد نفسه معيلًا لأمه وإخوته، لكن سلسلة من الضربات الاقتصادية أوصلته إلى الحافة.

بعد حادث في عمله تسبب بتلف معدات المصنع، حُمّل التعويض المالي الثقيل، ففكر في “الحل الأخير”: بيع كليته مقابل 35 مليون دينار.

وبالفعل، جرى ما جرى في إحدى المحافظات الشمالية، باسم “التبرع”، خوفا من التبعات القانونية.

عاد حمزة بمشروع صغير، لكن صحته بدأت في التدهور، وندم دفين ظل ينهش وجدانه: “ما حد قال لي إني بعدين راح أحتاجها… جسمي مو بنك احتياطي”.

فقر، وجهل، وتواطؤ .. الثالوث الذي يقتل

وفقا للناشط باسم جبر، رئيس منظمة “مصير”، فإن الظاهرة تحولت من نشاط إجرامي خافت إلى سوق منظم يتداخل فيه المحلي والدولي.

جبر يؤكد أن أكثر الأعضاء طلبا هي الكلى، وأحياناً الكبد، وأن الجهل يدفع الضحايا إلى حتفهم طوعا، أو إلى الندم القاتل لاحقا.

ولأن الجريمة لا تسير وحدها، فإن غياب الردع الحقيقي والتراخي في تنفيذ القوانين جعل العراق أرضا خصبة لعصابات مدربة تتعامل حتى عبر الإنترنت، وتستغل وسائل التواصل للترويج لـ”فرص التبرع”.

أثر تجارة الأعضاء على الضحية – جسديا ونفسيا

نوع الأثرمظاهره لدى الضحاياالتوصيف الطبي أو الاجتماعي
الأثر الجسديضعف عام، مضاعفات كلوية، فشل كلوي محتملخاصة عند غياب المتابعة الطبية بعد الاستئصال
الأثر النفسيندم، اكتئاب، اضطراب هوية، عزلة اجتماعيةيوصف أحيانًا بـ”صدمة ما بعد الجراحة القسرية”
الأثر القانونيعدم قدرة على المطالبة بالحقوق، تهرب من الإبلاغبسبب التهديد أو الجهل بالقانون
الأثر الاقتصاديضياع المال بعد العملية، استغلال مادي فاشلمشاريع تفشل بعد تسلُّم المبلغ مقابل العضو

قانون بلا أنياب

رغم أن العراق أقر قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012، والذي يفترض أنه يحمي الفئات المستضعفة من أبشع أشكال الاستغلال، إلا أن العقوبات التي يفرضها هذا القانون لا تزال عاجزة عن مواكبة بشاعة الجريمة.

ففي قضايا الاتجار بالأعضاء تحديدا، تتراوح العقوبات بين السجن والغرامة، وتصل في أفضل الأحوال إلى عشر سنوات فقط، حتى وإن كانت حياة الضحية على المحك.

ويؤكد خبراء قانونيون أن القانون بحاجة ماسة إلى تعديل جذري، يشمل تشديد العقوبات وتوسيع نطاق المسؤولية الجنائية، ليطال ليس فقط من ينفّذ الجريمة، بل أيضاً من يخطط، يسهل، أو يتغاضى عنها.

فبينما تتطور الشبكات الإجرامية في أساليبها وتوسع نفوذها، يبقى الرد القانوني متأخرا وضعيفا، غير قادر على ردع الجناة أو حماية الضحايا.

اقرا ايضا: خالد بتال .. وزير الصناعة العراقي ومسيرته الأكاديمية والحكومية

الاتجار بالبشر في العراق

ضحايا ما بعد البيع

ليست القضية مجرد نقل عضو من جسد إلى جسد، بل عملية انتهاك متكاملة للإنسانية.

الدكتور حسن الشماع، المتخصص في الطب النفسي، يرى أن من يبيع جزءا من جسده لا يخرج من العملية بمال فقط، بل بثقل نفسي ثقيل يدوم مدى الحياة.

فالمسألة لا تنتهي عند غرفة العمليات، بل تبدأ منها، حيث يدخل الضحية مرحلة من الانكسار النفسي، تتجلى في العزلة الاجتماعية، الشعور العميق بالعار، وفقدان الثقة بالنفس.

في بعض الحالات، يتحوّل البائع إلى شخص خائف، مرتبك، غير قادر على استئناف حياته الطبيعية، وكأن عملية البيع شطبت جزءا من هويته لا من جسده فقط.

أما من الناحية الجسدية، فإن فقدان كلية واحدة ليس رقما في تقرير طبي، بل مخاطرة مستمرة تطارد الجسد بلا رحمة.

فالكلى عضو أساسي في تنقية السموم وضبط توازن السوائل، وأي قصور لاحق في الكلية المتبقية قد يؤدي إلى أمراض مزمنة، فشل كلوي، أو حتى الحاجة إلى غسيل دائم مدى الحياة.

منصات التواصل… واجهات السوق السوداء

منذ عام 2020، لم تعد تجارة الأعضاء في العراق حكرا على المستشفيات المشبوهة أو الأوكار المظلمة.

بل انتقلت إلى عالم الإنترنت، حيث تعرض الكلى والأكباد للبيع علنا على منصات التواصل مثل فيسبوك وتليغرام، تحت غطاء “التبرع الإنساني” أو “المساعدة الطبية”.

تستخدم هذه الشبكات صورا مزيفة، إعلانات مغرية، وأحيانا شهادات مزورة لضحايا سابقين، بهدف استدراج المحتاجين.

وتؤكد السلطات العراقية إنها أغلقت أكثر من 80 حسابا خارجيا وروجت لعمليات المداهمة التي طالت 25 موقعاً داخل العراق.

لكن الخبراء يحذرون من أن هذه الشبكات تتقن فن التخفي والتكيّف مع كل حملة حكومية، فهي تتبدل بسرعة، تنشئ حسابات جديدة، وتستخدم تقنيات أكثر تعقيدا، مما يجعل من ملاحقتها أشبه بمحاولة الإمساك بالدخان.

اقرا ايضا: نوري المالكي .. من المنفى إلى حكم العراق

الأسئلة الشائعة المرتبطة بتجارة الأعضاء في العراق

ما هو حجم تجارة الأعضاء في العراق؟

تشير التقارير إلى تسجيل أكثر من 2300 ضحية خلال ثلاث سنوات، مما يضع العراق في قلب هذه الجريمة عالميًا.

كيف تنتشر تجارة الأعضاء في العراق؟

تنتشر من خلال شبكات محلية ودولية تستغل الفقر، وتستخدم الإنترنت لاستدراج الضحايا.

ما هي العقوبات القانونية على تجارة الأعضاء؟

وفق القانون العراقي رقم 28 لسنة 2012، تتراوح العقوبات بين السجن والغرامة، لكنها تُعد غير كافية لردع الشبكات المنظمة.

هل هناك دور لمنصات التواصل في الترويج لتجارة الأعضاء؟

نعم، تُستخدم منصات مثل فيسبوك وتليغرام للترويج لبيع الأعضاء تحت مسمى “التبرع”.

مشاركة عبر:
Facebook
LinkedIn
X
WhatsApp
Telegram

اخبار مختارة

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي