حمورابي
حمورابي هو واحد من أعظم ملوك بلاد الرافدين القديمة وأكثرهم تأثيرا في التاريخ البشري.
عاش في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وكان سادس ملوك الأسرة البابلية الأولى.
اشتهر حمورابي بوضعه أقدم وأشهر مجموعة قوانين مدونة في التاريخ، والتي تعرف اليوم باسم “شريعة حمورابي”.
نشأة حمورابي
نسب حمورابي وأصله
ولد حمورابي في بابل عام 1810 ق·م، وينحدر من أسرة عمورية ذات أصول تعود إلى غرب بلاد الشام.
اسمه يتألف من مقطعين؛ “حمو” وتعني العائلة في اللغة العمورية، و”رابي” وتعني العظيم في اللغة الأكدية، مما يعكس تزاوجا ثقافيا بين الحضارتين العمورية والأكدية.
تولى الحكم بعد تنازل والده، سن موبالات، عن العرش بسبب تدهور صحته.
عند اعتلائه العرش، كانت بابل واحدة من عدة دويلات في منطقة بلاد ما بين النهرين، وكانت تتألف من أربع ولايات صغيرة هي بابل وكيش وسيبار وبورسيبا.
منذ توليه الحكم، أظهر مهارات قيادية استثنائية وحكمة كبيرة في إدارة شؤون المملكة.
لم يكن حاكما عاديا، بل كان استراتيجيا بارعا استخدم الدبلوماسية والتحالفات العسكرية لبسط نفوذه.
بحلول نهاية حكمه، تمكن من توحيد معظم مناطق بلاد الرافدين، مما جعل مملكته أقوى كيان سياسي في ذلك الوقت.
اقرا ايضا: العراق.. مهد الحضارات ومنبع التاريخ
الإنجازات العسكرية لحمورابي
في بداية حكمه، ركز حمورابي على تعزيز البنية التحتية لمملكته، فقام ببناء الأسوار والمعابد والقصور، واهتم بمشاريع الري لتحسين الزراعة.
في عام 1765 ق·م، نشب نزاع بين دولة عيلام ودولة لارسا المجاورة، واستغل هذا الصراع لتوسيع نفوذه.
تحالف مع لارسا ضد عيلام، وبعد تحقيق النصر، شعر بأن لارسا لم تقدم الدعم الكافي، فقرر مهاجمتها وضمها إلى مملكته.
استمر في حملاته التوسعية، فسيطر على مدن نيبور ولاغاش، ثم اتجه شمالا لضم مملكتي إشنونا وماري.
كما فرض سيطرته على آشور بعد حروب طويلة مع ملكها إشمي داغان الأول.
بحلول عام 1755 ق·م، كانت معظم مناطق بلاد ما بين النهرين تحت سيطرته، مما حول بابل من مملكة صغيرة إلى إمبراطورية واسعة.
شريعة حمورابي
قانون حمورابي
ما هي شريعة حمورابي، تعد شريعة أو قانون حمورابي أعظم إنجازاته وأكثرها شهرة، وهي مجموعة من القوانين البابلية القديمة، تتألف من 282 مادة قانونية.
تعد هذه الشريعة من أقدم التشريعات المكتوبة في تاريخ البشرية، وقد نقشت على مسلة كبيرة من حجر الديوريت الأسود، يبلغ ارتفاعها 225 سم وقطرها 60 سم، وهي محفوظة حاليا في متحف اللوفر بباريس.
في مقدمة الشريعة يذكر حمورابي أنه مختار من الآلهة لنشر العدل والقضاء على الظلم، ويؤكد على حماية الضعفاء من اعتداءات الأقوياء.
تغطي المواد القانونية مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك القضاء والشهود، والسرقة، وشؤون الجيش، والزراعة، والتجارة، وشؤون الأسرة، والعقوبات.
على سبيل المثال، تنص المادة 196 على مبدأ “العين بالعين”، حيث يعاقب من يتسبب في إلحاق ضرر بآخر بإلحاق نفس الضرر به.
تظهر الشريعة تقسيم المجتمع البابلي إلى ثلاث طبقات: طبقة السادة (الأعيان)، والطبقة المتوسطة (المشكنو)، وطبقة العبيد.
تختلف الحقوق والواجبات باختلاف الطبقة الاجتماعية، حيث كانت عقوبات الجرائم تختلف تبعا لمكانة الجاني والمجني عليه.
كما اهتمت الشريعة بتنظيم شؤون الأسرة، مثل الزواج والطلاق وحقوق المرأة والميراث.
على سبيل المثال، إذا اتهمت امرأة بالزنا، فقد تعاقب بالغرق، إلا إذا قرر زوجها العفو عنها.
بالإضافة إلى ذلك، نظمت الشريعة الجوانب الاقتصادية، مثل حقوق وواجبات المزارعين والتجار، وحددت أسعار السلع وأجور العمال.
كما تناولت مسؤوليات أصحاب المهن، مثل البنائين والأطباء، وفرضت عقوبات على من يثبت تقصيرهم أو إهمالهم في أداء واجباتهم.
على سبيل المثال، إذا تسبب طبيب في وفاة مريض أثناء عملية جراحية، فقد تقطع يده كعقوبة.
نسخة طبق الأصل من قوانين حمورابي
تمثل هذه النسخة المتماثلة أحد أقدم النصوص القانونية المعروفة في تاريخ البشرية، وهي تعكس قوانين حمورابي، ملك بابل (1792 – 1750 قبل الميلاد).
يعود الشاهد الأصلي إلى ما يقرب من 3800 عام، وهو محفوظ حاليا في متحف اللوفر في باريس، بعد اكتشافه عام 1901.
تجسد النقوش المصورة على الشاهد الملك حمورابي وهو يتلقى القوانين من إله الشمس، في مشهد يرمز إلى الشرعية الإلهية للحكم.
يعد قانون حمورابي أطول نص قانوني باقٍ من الفترة البابلية القديمة،
ويُنظر إليه باعتباره نموذجا مبكرا للقانون الأساسي واللوائح الحكومية.
يتناول القانون قضايا متعددة تشمل القذف، والتجارة، والزنا، وغيرها من القضايا المجتمعية التي شكلت أساس النظام القانوني في تلك الحقبة.
في 23 سبتمبر 1977، قدمت حكومة العراق هذه النسخة المقلدة هدية إلى الأمم المتحدة.
مسلة حمورابي
مسلة حمورابي هي نصب تاريخي شهير يحمل شريعة الملك البابلي حمورابي، وتعتبر من أبرز الآثار القانونية في تاريخ البشرية.
تتألف المسلة من حجر الديوريت الأسود، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2·25 مترا.
تتضمن نقشا بارزا في الجزء العلوي يظهر الملك حمورابي واقفا أمام إله الشمس والعدالة “شمش”، مما يرمز إلى استلامه القوانين من الإله.
تحتوي المسلة على 282 مادة قانونية تغطي مختلف جوانب الحياة، مثل التجارة، والعقوبات، والزواج، والطلاق، وحقوق الملكية.
اكتشفت المسلة في مدينة سوسة (حاليا في إيران) عام 1901 من قبل بعثة أثرية فرنسية، ويعتقد أنها نقلت إلى هناك كغنيمة حرب من قبل العيلاميين في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
حاليا، تعرض المسلة في متحف اللوفر بباريس، وتعد من أبرز معروضاته.
تعتبر مسلة حمورابي مصدرا مهما لدراسة تطور القانون والمجتمع في الحضارات القديمة، وتبرز الجهود المبذولة آنذاك لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
بحث عن قوانين حمورابي
أهم قوانين حمورابي
تعد شريعة حمورابي من أقدم وأشمل القوانين المكتوبة في التاريخ، حيث نظمت مختلف جوانب الحياة في بابل القديمة، من أبرز هذه القوانين:
أولا: القانون رقم 196: إذا تسبب شخص في فقء عين شخص آخر، تفقأ عينه بالمثل.
ثانيا: القانون رقم 200: إذا أسقط شخص سن شخص آخر من نفس مرتبته الاجتماعية، يسقط سنه بالمثل.
ثالثا: القانون رقم 209: إذا ضرب شخص امرأة حامل وتسبب في إجهاضها، عليه دفع عشرة شيقلات من الفضة كتعويض.
رابعا: القانون رقم 229: إذا بنى مقاول منزلا ولم يحسن بناؤه، مما أدى إلى انهياره وموت صاحب المنزل، يعاقب المقاول بالإعدام.
خامسا: القانون رقم 233: إذا بنى مقاول منزلا وتسبب انهياره في وفاة ابن صاحب المنزل، يقتل ابن المقاول.
تظهر هذه القوانين مدى الدقة والصرامة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في بابل القديمة، وتعكس مبدأ “العين بالعين” الذي كان سائدا آنذاك.
أهم إنجازات حمورابي
إنجازات حمورابي: من مملكة صغيرة إلى إمبراطورية عظيمة
شهد عهد حمورابي تحولات جذرية في الخارطة السياسية لبلاد ما بين النهرين، حيث بدأ حكمه على مملكة بابل التي كانت تتألف من أربع ولايات صغيرة: بابل، كيش، سيبار، وبورسيبا.
لكن طموحه لم يقتصر على إدارة هذه المناطق، بل سعى إلى توسيع نفوذه وتحويل بابل إلى قوة إقليمية مهيمنة.
أولا: التوسع العسكري والتحالفات السياسية
في عام 1765 قبل الميلاد، اندلع نزاع بين دولة عيلام ودولة لارسا، وهما من القوى الإقليمية المجاورة لبابل.
كانت عيلام قد وسّعت نفوذها وفرضت الجزية على الأراضي التي غزتها، مما دفع حمورابي إلى تشكيل تحالف مع لارسا لمواجهة هذا التهديد.
غير أن لارسا لم تقدم الدعم الكافي خلال الحرب، مما دفع الملك البابلي إلى إنهاء التحالف معها، بل وضمها إلى مملكته بعد حملة عسكرية ناجحة.
ثانيا: السيطرة على بلاد ما بين النهرين
لم يقتصر توسع الملك البابلي على الغرب، بل توجه نحو الشرق، حيث ضم مدنا استراتيجية مثل نيبور ولاغاش.
وبعد ذلك، شن حملات عسكرية ناجحة ضد مملكتي أشنونة وماري، فبسط سيطرته عليهما.
وفي الشمال، خاض حروبا طويلة ضد آشور، التي كان يحكمها إشمي داغان الأول، ونجح في فرض نفوذه عليها.
مع حلول عام 1755 قبل الميلاد، أصبحت مملكة بابل تحت حكم الملك البابلي قوة عظمى، حيث امتدت سيطرتها على أغلب مناطق بلاد ما بين النهرين، مما جعلها مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا مؤثرا في العالم القديم.
حمورابي هو اخر ملوك الامبراطورية البابلية
الملك حمورابي ليس آخر ملوك الإمبراطورية البابلية·
بعد وفاته عام 1750 قبل الميلاد، تولى الحكم خمسة ملوك آخرين من السلالة البابلية الأولى، كان آخرهم الملك سمسو ديتانا، الذي انتهى حكمه بغزو الحثيين لبابل حوالي عام 1595 قبل الميلاد.
لاحقًا، شهدت بابل فترات حكم متعددة، أبرزها الإمبراطورية البابلية الحديثة (626–539 قبل الميلاد)، التي كان من أشهر ملوكها نبوخذ نصر الثاني.
انتهت هذه الإمبراطورية بسقوط بابل على يد الفرس بقيادة كورش الكبير عام 539 قبل الميلاد.
تمثال حمورابي
من أبرز التماثيل التي تجسد حياته، ذلك الموجود في حديقة “تيتسوغاكودو” في منطقة ناكانو بطوكيو، اليابان.
بالإضافة إلى ذلك، قام النحات العراقي الشهير محمد غني حكمت بنحت تمثال لحمورابي، يعرض في العاصمة العراقية بغداد.
يعتبر هذا التمثال جزءا من مجموعة أعمال فنية أخرى لحكمت، مثل نصب “كهرمانة” وتمثال “شهريار وشهرزاد”.
تجسد هذه التماثيل الإرث الثقافي والحضاري لبلاد الرافدين، وتبرز دوره في تاريخ القانون والحكم.
وفاة حمورابي
سبب وفاة حمورابي
كيف مات حمورابي؟ توفي الملك حمورابي عام 1750 قبل الميلاد، بعد حكم دام 42 عاما.
تشير المصادر التاريخية إلى أنه في سنواته الأخيرة، عانى من المرض، مما دفعه إلى تفويض بعض مسؤولياته إلى ابنه وخليفته، سامسو إيلونا.
مع ذلك، لا تتوفر معلومات دقيقة حول طبيعة المرض أو السبب المحدد لوفاته.
في الختام
يعد حمورابي شخصية محورية في تاريخ الحضارات القديمة، حيث نجح في توحيد بلاد ما بين النهرين ووضع أسس قانونية أثرت على المجتمعات البشرية لقرون عديدة.
تعكس إنجازاته رؤية قيادية وحكمة في الإدارة والتشريع، مما يجعله واحدا من أعظم الملوك في التاريخ القديم.
اقرا ايضا: نوري المالكي .. من المنفى إلى حكم العراق