معدل البطالة في العراق يواصل الارتفاع .. وملايين الشباب بلا عمل

البطالة في العراق

تعد البطالة في العراق واحدة من أخطر التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العراق اليوم، حيث تعكس تداعياتها السلبية على الاستقرار السياسي والأمني، وتهدد فرص التنمية المستدامة.

نسبة البطالة في العراق

وفقا لبيانات البنك الدولي لعام 2023، تبلغ نسبة البطالة في العراق حوالي 13.8%، مع ارتفاع ملحوظ بين الشباب ليصل معدل البطالة في العراق إلى نحو 36%.

ووفق وزارة التخطيط فإن نسبة البطالة في العراق وفقا لنتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسر في العراق، الذي نفذته وزارة التخطيط بالتعاون مع هيئة الإحصاء في إقليم كردستان وبدعم من البنك الدولي، بلغ معدل البطالة للبالغين (15 سنة فأكثر) 13.5%. ​

في عام 2021، أشارت نتائج مسح القوى العاملة إلى أن معدل البطالة في العراق بلغ 16.5%. ​

ويعاني الاقتصاد العراقي من اختلالات هيكلية عميقة، جعلته رهينا لقطاع النفط الأحادي، بينما تهمش قطاعات أخرى قادرة على خلق فرص عمل.

اقرا ايضا: البنك المركزي العراقي والمصارف العراقية

البطالة في الوطن العربي

نسبة البطالة في الوطن العربي ومقارنتها في العراق تظهر تصورا عن حجم البطالة العام عربيا.

تظهر الإحصاءات الحديثة تباينا كبيرا في معدلات البطالة بين الدول العربية.

ففي عام 2024، سجلت قطر أدنى معدل بطالة عالميا بنسبة 0.1%.

في المقابل، شهدت فلسطين ارتفاعا حادا في البطالة، حيث بلغت النسبة في غزة نحو 80% نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية بعد العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية.

بالنسبة للعراق، أظهرت بيانات عام 2021 أن معدل البطالة بلغ 16.5%، مع ارتفاع النسبة بين النساء إلى 28%، بينما كانت 14% بين الرجال.

وفي عام 2022، أشارت تقارير البنك الدولي إلى أن نسبة البطالة في العراق وصلت إلى 15.55%، مما يجعله من بين أعلى المعدلات في العالم العربي. ​

بشكل عام، تتفاوت معدلات البطالة في العالم العربي بشكل كبير.

حيث تسجل بعض الدول معدلات منخفضة بفضل اقتصاداتها المستقرة، بينما تعاني دول أخرى من نسب بطالة مرتفعة بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية.​

أسباب البطالة في العراق

سوء الإدارة الاقتصادية وضعف التخطيط

تعاني السياسات الاقتصادية في العراق من خلل هيكلي يتمثل في الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر للإيرادات.

إذ تشكل عائدات النفط أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية​، ما جعل الاقتصاد أحادي الجانب وعرضة لتقلبات أسواق النفط العالمية.

هذا التركيز على قطاع ذو كثافة تشغيلية منخفضة أدى إلى محدودية فرص العمل المتاحة؛ فقطاع النفط يوفر نسبة ضئيلة من الوظائف مقارنة بحجمه في الناتج المحلي.

في المقابل، لم تبذل الحكومات المتعاقبة جهودا كافية لتنويع الاقتصاد عبر دعم الزراعة أو الصناعة أو السياحة وغيرها من القطاعات الحيوية.

وتشير الدراسات إلى أن العراق أخفق في الاستفادة من قطاعات رئيسية كالتكنولوجيا والتصنيع والسياحة التي يمكن أن تستوعب أعدادا كبيرة من العمالة​.

إلى جانب ذلك، أدى ضعف التخطيط الاستراتيجي إلى فجوة كبيرة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.

فالنظام التعليمي يخرج سنويا مئات الآلاف من الخريجين في تخصصات أكاديمية لا تجد طلبا في السوق المحلية المشبعة بالكوادر، بينما هناك عجز في المهارات التقنية والمهنية.

بين عامي 2015 و2023 تخرج أكثر من 1.1 مليون طالب من الجامعات والمعاهد العراقية.

لكن أقل من 200 ألف منهم فقط حصلوا على وظائف في القطاع العام خلال نفس الفترة (أي بمعدل توظيف أقل من 20%)​.

هذا الخلل يوضح عدم قدرة الاقتصاد الحالي على استيعاب سيل الداخلين الجدد إلى سوق العمل سنويا.

البطالة في العراق

الفساد المستشري وهدر الموارد

يمثل الفساد عاملا رئيسيا وراء العديد من الأزمات في العراق، وكذلك واقع البطالة في العراق ليست استثناء.

يحتل العراق مرتبة متأخرة للغاية في مؤشرات الشفافية الدولية، حيث جاء ضمن أسوأ البلدان عالميا في تفشي الفساد.

حصل على 23 نقطة من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023.

هذا الانتشار الواسع للفساد المالي والإداري أدى إلى هدر مئات مليارات الدولارات من المال العام على مدى السنوات الماضية، كانت كفيلة لو استثمرت بشفافية في مشاريع تنموية بخلق ملايين الوظائف للشباب.

إذ تعاني المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية من التعثر بسبب سوء الإدارة واختلاس الأموال المخصصة لها بفعل الفساد، ما يحرم الاقتصاد من فرص نمو كانت ستوفر وظائف جديدة​.

كذلك يعزز الفساد بيئة طاردة للاستثمار المحلي والأجنبي، حيث يواجه المستثمرون عقبات المحسوبية والرشاوى في كل خطوة، فيعزفون عن إطلاق المشاريع التي قد تستوعب العاطلين.

تضخم القطاع العام والبطالة المقنعة

اتبعت الحكومات العراقية على مدى عقود سياسة التوظيف الحكومي كحل سريع لامتصاص الفقر والبطالة في العراق بعد عام 2003، وفي فترات ارتفاع عائدات النفط.

أدى ذلك إلى تضخم غير مسبوق في حجم القطاع العام، بحيث تشير التقديرات إلى أن نحو 67% من القوى العاملة العراقية تعمل في مؤسسات الدولة​.

وقد خلق هذا النهج ترهلا وظيفيا كبيرا في مؤسسات الدولة، حيث أن نسبة معتبرة من الموظفين لا يؤدون عملا يتناسب مع مسمياتهم الوظيفية.

أقر مسؤولون حكوميون بأن أكثر من 40% من الموظفين الحكوميين يندرجون تحت فئة البطالة المقنعة، أي أنهم يتقاضون رواتب دون إنتاجية حقيقية​.

هذا الوضع يشكل استنزافا هائلا للموازنة العامة، حيث تلتهم رواتب هؤلاء الموظفين الجزء الأكبر من الإنفاق التشغيلي للدولة.

مما يقلل الموارد المتاحة للاستثمار في مشاريع تنموية أو خدمات أساسية يمكن أن تولد فرص عمل للمواطنين.

اقرا ايضا: شارع المتنبي .. قلب بغداد الثقافي وأيقونة الفكر والأدب

الحلول المقترحة لمواجهة أزمة البطالة في العراق

النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلة البطالة في العراق

أمام تعقيدات مشكلة البطالة في العراق وتعدد مسبباتها، يطرح الخبراء والمعنيون حزمة متكاملة من الإجراءات العملية والقابلة للتنفيذ للحد من البطالة وتحريك عجلة التوظيف:​

تنشيط القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد

أكد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي على ضرورة تنويع الاقتصاد العراقي وتحديد الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية، وذلك من خلال استحداث أنشطة جديدة تخلق فرص عمل وتشغيل الشباب، بالإضافة إلى إعادة تفعيل المعامل والمصانع التي تعطلت بعد عام 2003. ​

تشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة

أشار الخبير الاقتصادي منار العبيدي إلى أن ضعف التدريب والتعليم يؤدي إلى دخول الشباب إلى سوق العمل دون مهارات تؤهلهم للحصول على فرص عمل مناسبة.

وأكد على ضرورة مراجعة النظام التعليمي في العراق وربطه باحتياجات سوق العمل، وإنشاء منصات تدريب وتأهيل تسلح الشباب بالخبرات المطلوبة.

تطوير التعليم والتدريب المهني

أوضح الاقتصاديون العراقيون أن أحد أسباب زيادة البطالة هو دور الجامعات التي لا تهتم بقابلية التشغيل للخريجين بقدر اهتمامها باستيعاب أعداد الطلبة المتزايدة وسعيها للوصول إلى مراتب التصنيف الأكاديمي.

وأشاروا إلى ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية وربطها بمتطلبات سوق العمل الحالية. ​

إصلاح الإدارة ومحاربة الفساد

اكد رئيس حراك “البيت العراقي” محي الأنصاري أن النظام الحاكم في العراق بعد عام 2003 اعتمد على الاقتصاد الريعي والتوظيف العشوائي غير المنتج في القطاع العام، مما أدى إلى ترهل المؤسسات الحكومية.

وشدد على ضرورة تفعيل القطاع الخاص والاستثمار، ومواجهة الفساد المستشري في جميع قطاعات المؤسسات الحكومية، والذي يؤثر بشكل مباشر على أي خطوة تهدف إلى مأسسة الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص. ​

مسؤولية الحكومة في معالجة البطالة في العراق

لا يمكن إنكار أن الحكومة العراقية الحالية تتحمل مسؤولية كبيرة في تفاقم معدلات البطالة في العراق نتيجة لسياسات اقتصادية غير فعّالة وإدارة غير كفوءة للموارد الوطنية.

إن الاعتماد المفرط على القطاع النفطي وإهمال القطاعات الأخرى أدى إلى تقليص فرص العمل وتضييق قاعدة الاقتصاد الوطني.​

بالإضافة إلى ذلك، فإن الفساد المستشري وسوء الإدارة أعاقا تنفيذ مشاريع تنموية حقيقية كان من الممكن أن توفر فرص عمل للشباب وتحد من البطالة.

إن غياب التخطيط الاستراتيجي والرؤية المستقبلية أدى إلى تفاقم هذه المشكلة، مما يتطلب من الحكومة تبني إصلاحات جذرية وشاملة.​

على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها بجدية وتعمل على تنويع الاقتصاد، محاربة الفساد، وتطوير البنية التحتية والتعليمية بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل.

من خلال هذه الخطوات يمكن تحقيق تنمية مستدامة وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب العراقي، مما يسهم في استقرار وازدهار البلاد.​

اقرا ايضا: السدود في العراق .. شريان الحياة ومصدر الطاقة المتجددة

مشاركة عبر:
Facebook
LinkedIn
X
WhatsApp
Telegram

اخبار مختارة

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي