نور زهير وسرقة القرن .. الاحتيال المالي الأكبر في تاريخ العراق

نور زهير

نور زهير

تعد “سرقة القرن” واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في تاريخ العراق الحديث، حيث تمت سرقة ما يقارب 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب العامة المودعة في مصرف الرافدين الحكومي.

هذه الأموال، التي كان من المفترض أن تستخدم لخدمة المواطنين وتحسين البنية التحتية، اختفت بفعل شبكة فساد معقدة ضمت رجال أعمال ومسؤولين حكوميين.

في قلب هذه الفضيحة يبرز اسم نور زهير جاسم المظفر، الذي يعتبر العقل المدبر لهذه السرقة.

تمت الجريمة عبر 247 شيكا مزورا، صدرت لصالح شركات وهمية، منها شركة “المبدعون” التي يمتلكها زهير.

هذه الأموال الضخمة، التي تم سحبها بشكل غير قانوني، ألحقت ضررا كبيرا باقتصاد البلاد، الذي يعاني أصلا من أزمات متعددة.

ما يزيد من ألم هذه القضية هو محاولات المتورطين التهرب من العدالة.

فبعد القبض على نور زهير، تم الإفراج عنه بكفالة، لكنه لم يلتزم بوعده بإعادة الأموال، بل فر إلى خارج العراق.

“سرقة القرن” ليست مجرد جريمة مالية، بل هي ضربة قوية لشعب يعاني من الفقر والبطالة.

بدون محاسبة حقيقية للفاسدين، سيستمر استنزاف موارد العراق، وسيبقى الجرح نازفا في جسد هذا البلد الذي يستحق الأفضل.

نور زهير جاسم

من هو نور زهير؟

نور زهير جاسم المظفر، الملقب بـ”أبو فاطمة”، هو رجل أعمال عراقي أصبح اسمه مرتبطا بواحدة من أكبر فضائح الفساد في تاريخ العراق، وهي قضية “سرقة القرن”.

ولد زهير في بغداد عام 1980، وبدأ حياته العملية في الموانئ العراقية.

ثم ترقى ليصبح مستشارا في مكتب رئيس اللجنة المالية النيابية.

اشتهر نور زهير بثروته الطائلة، حيث يمتلك أكثر من 20 عقارا فاخرا في بغداد.

بالإضافة إلى شركات عدة، أبرزها شركة “المبدعون” للخدمات النفطية.

ومع ذلك، تحول اسمه إلى رمز للفساد بعد اتهامه بالوقوف خلف سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب العامة عبر صكوك مزورة.

في عام 2022، تم القبض على نور زهير أثناء محاولته الهروب من العراق.

لكنه أُطلق سراحه بكفالة بعد وعده بإعادة جزء من الأموال المسروقة.

ومع ذلك، لم يف بوعده، بل فر إلى خارج البلاد، ممّا أثار غضبا شعبيا واسعا.

اقرا ايضا: نوري المالكي .. من المنفى إلى حكم العراق

سرقة القرن

ما هي سرقة القرن في العراق

كشفت التحقيقات التي أجريت بين عامي 2021 و2022 عن سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب العامة المودعة في مصرف الرافدين الحكومي.

تمت هذه السرقة عبر 247 شيكا مزورا، صدرت لصالح خمس شركات، من بينها شركتا “الكانت” و”المبدعون” اللتين يرأسهما نور زهير.

وقد تم سحب الأموال بشكل مباشر من حسابات الضرائب، ممّا أدى إلى إلحاق ضرر كبير باقتصاد البلاد.

تورط نور زهير

نور زهير ليس مجرد متهم عادي في هذه القضية، بل يعتبر العقل المدبر لها.

فقد استخدم شركاته لإصدار الشيكات المزورة وسحب الأموال بشكل غير قانوني.

بالإضافة إلى ذلك، تورط زهير في قضايا فساد أخرى، بما في ذلك تزوير 114 صكا ماليا وسرقة 720 دونما من أراضي شط العرب.

نور زهير جاسم

قصة نور زهير

لفهم قصة نور زهير والتهم الموجهة له ولرائد جوحي في قضية “سرقة القرن”، لا بد من العودة إلى سلسلة الأحداث التي أدت إلى واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المصرفي المنظم في العراق.

بحسب تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، تم اكتشاف المخطط في تشرين الأول 2022، بعد مراجعة داخلية أجرتها وزارة المالية العراقية.

كشفت عن دفع الهيئة العامة للضرائب ما يقارب 3.7 تريليون دينار عراقي، أي نحو 2.5 مليار دولار، بشكل غير قانوني إلى خمس شركات.

هذه المدفوعات تمت عبر 247 شيكا، تم صرفها بين 9 أيلول 2021 و11 آب 2022، من فرع مصرف الرافدين الحكومي الواقع داخل الهيئة العامة للضرائب.

وكان هذا الحساب مخصصا لإيداع أموال الشركات التي يفترض استردادها بعد خصم الضرائب المستحقة، بناء على بيانات مالية حديثة قدمتها تلك الشركات.

السرقة كُشفت عندما قام إحسان عبد الجبار، القائم بأعمال وزير المالية آنذاك والذي كان يشغل أيضا منصب وزير النفط، بإجراء تدقيق مالي بعد تلقي شكاوى من شركة نفط لم تتمكن من استعادة ودائعها الضريبية.

وعندما استفسر الوزير عن رصيد الحساب، أفادت هيئة الضرائب بوجود 2.5 مليار دولار.

مكافحة غسيل الأموال في مصرف الرافدين

غير أن المزيد من التدقيق أظهر أن المبلغ الحقيقي المتبقي كان 100 مليون دولار فقط، ممّا شكل أول دليل على عملية الاختلاس الضخمة.

قبل اكتشاف الفضيحة، أعرب قسم مكافحة غسيل الأموال في مصرف الرافدين عن قلقه من ارتفاع معدل السحوبات النقدية.

فيما كان الوزير السابق، علي علاوي، قد فرض شرط الموافقة المسبقة على أي سحب كبير، إلا أن كبار مسؤولي هيئة الضرائب تجاهلوا هذا القرار.

علاوي استقال لاحقا في آب احتجاجا على استشراء الفساد والتدخلات الأجنبية في السياسة العراقية.

قبل أسابيع فقط من صرف الشيكات الأولى، تم إلغاء جزء أساسي من آلية التدقيق المالي، بعد أن زعمت بعض الشركات أنها تعاني من طول فترات الانتظار لاسترداد أموالها.

وجاء هذا القرار استجابة لطلب قدمه النائب هيثم الجبوري، الذي كان حينها رئيس اللجنة المالية البرلمانية.

وتشير التحقيقات إلى أن ثلاثا من الشركات التي تلقت الأموال تأسست قبل أسابيع قليلة فقط من تنفيذ المدفوعات، واعتمدت على وثائق مزورة للحصول على المبالغ.

وبما أن الأموال تم سحبها نقدا، أصبح تعقبها شبه مستحيل، ممّا يعكس تعقيد هذا المخطط الاحتيالي الضخم.

قضية نور زهير

في أكتوبر 2022، أُلقي القبض على زهير أثناء محاولته مغادرة العراق عبر طائرة خاصة من مطار بغداد الدولي.

لاحقا، أُطلق سراحه بكفالة بعد تعهده بإعادة الأموال المسروقة خلال فترة محددة، إلا أن هذا الإجراء أثار جدلا واسعا حول مدى ملاءمته في مثل هذه القضايا الحساسة.

حادث نور زهير في لبنان

نور زهير

في أغسطس 2024، ظهرت تقارير تفيد بتعرض زهير لحادث سير في بيروت، نقل على إثره إلى المستشفى.

إلا أن الشكوك حامت حول مصداقية الحادث، حيث اعتبره البعض محاولة مفتعلة للتهرب من المحاكمة المقررة في العراق.

تزايدت هذه الشكوك مع رفض السلطات اللبنانية توقيفه لعدم وجود مذكرة اعتقال دولية بحقه، ممّا سمح له بمغادرة لبنان دون عوائق.

في يونيو 2024، انتشرت شائعات حول وجود زهير في السعودية لأداء مناسك الحج، إلا أن مصادر رسمية نفت هذه الأنباء.

الأحكام القضائية بحق نور زهير

في نوفمبر 2024، أصدرت محكمة جنايات الكرخ أحكاما قضائية بحق نور زهير وعدد من المتهمين الآخرين.

حكم على زهير بالسجن لمدة 10 سنوات غيابيا، بالإضافة إلى مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة.

كما حكم على رائد جوحي، المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بالسجن 6 سنوات، وحكم على هيثم الجبوري، النائب السابق، بالسجن 3 سنوات.

تداعيات القضية على العراق

قضية “سرقة القرن”، التي تمثل واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في تاريخ العراق الحديث، تركت آثارا عميقة على البلاد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

اقتصاديا، أدت السرقة إلى تفاقم الأزمات المالية التي يعاني منها العراق، حيث كان من الممكن استخدام هذه الأموال لتحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي.

بدلا من ذلك، تم تهريب جزء كبير من الأموال إلى خارج البلاد، ممّا أضعف الاقتصاد الوطني وزاد من معاناة المواطنين.

سياسيا، كشفت القضية عن وجود شبكات فساد متشعبة تضم مسؤولين كبارا ورجال أعمال، ممّا أثار تساؤلات حول نزاهة النظام السياسي وقدرته على محاربة الفساد.

كما أظهرت ضعف النظام القضائي، حيث تم الإفراج عن المتهم الرئيسي، نور زهير، بكفالة رغم ثبوت تورطه في السرقة.

اجتماعيا، زادت القضية من مشاعر الإحباط والغضب لدى العراقيين، الذين طالبوا بمحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المسروقة.

ردود الفعل الشعبية والسياسية

أثارت قضية “سرقة القرن” في العراق موجة من الاستياء والغضب على المستويين الشعبي والسياسي.

ردود الفعل الشعبية:

عبر المواطنون عن سخطهم من خلال تنظيم احتجاجات في مختلف المدن، مطالبين بمحاسبة المسؤولين واستعادة الأموال المسروقة.

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حملات تدعو إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في المؤسسات الحكومية.

كما أعرب العديد من المواطنين عن فقدانهم للثقة في النظام السياسي، معتبرين أن هذه الحادثة تعكس تفشي الفساد في مفاصل الدولة.

ردود الفعل السياسية:

على الصعيد السياسي، أدانت الأحزاب والشخصيات السياسية البارزة هذه الجريمة، داعية إلى تحقيق شامل ومحاسبة المتورطين.

في البرلمان، طالب النواب بعقد جلسات طارئة لمناقشة القضية ووضع حلول جذرية لمشكلة الفساد المستشري.

كما دعت بعض الكتل السياسية إلى إجراء إصلاحات هيكلية في النظام الإداري والمالي للدولة لضمان عدم تكرار مثل هذه السرقات.

اقرا ايضا: مقتدى الصدر .. بين الزعامة الدينية والتأثير السياسي في العراق

سرقة القرن

التحديات التي تواجه مكافحة الفساد في العراق

تواجه مكافحة الفساد في العراق تحديات جسيمة تعكس عيوبا هيكلية في الحكومة الحالية.

أولا، يعاني النظام القضائي من ضعف الاستقلالية والتدخلات السياسية، ممّا يعيق محاسبة الفاسدين بفعالية.

بالإضافة إلى ذلك، تفتقر المؤسسات الرقابية إلى الموارد والشفافية، ممّا يجعلها غير قادرة على متابعة قضايا الفساد بشكل كاف.

ثانيا، نظام المحاصصة السياسية يعد أحد الأسباب الرئيسية لتفشي الفساد، حيث يتم تعيين مسؤولين غير أكفاء بناء على الانتماءات الحزبية والطائفية بدلا من الكفاءة.

هذا النظام يعزز الممارسات الفاسدة ويضعف الثقة بين المواطنين والحكومة.

ثالثا، غياب الشفافية في العقود الحكومية والإنفاق العام يسهل التلاعب بالمال العام.

على الرغم من وجود قوانين لمكافحة الفساد، إلا أن تنفيذها ضعيف بسبب البيروقراطية المعقدة والفساد المؤسسي.

في الختام

نور زهير ليس مجرد متهم عادي، بل يمثل نموذجا للفساد المستشري في العراق، الذي يستنزف موارد البلاد ويعيق تقدمها.

بدون محاسبة حقيقية، سيستمر أمثال زهير في الإفلات من العدالة، وسيبقى العراق يعاني من جراح الفساد التي لا تندمل.

اقرا ايضا: النجف الاشرف .. ترابط الدين والتاريخ

مشاركة عبر:
Facebook
LinkedIn
X
WhatsApp
Telegram

اخبار مختارة

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي