مقتدى الصدر .. بين الزعامة الدينية والتأثير السياسي في العراق

مقتدى الصدر

مقتدى الصدر

يعد مقتدى الصدر واحدا من أبرز الشخصيات السياسية والدينية في العراق المعاصر، ممّا جعله لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي العراقي منذ سقوط النظام السابق عام 2003.

ينتمي الصدر إلى عائلة دينية عريقة، وكان لنهج والده، المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، تأثير كبير على مسيرته·

نسب وقبيلة مقتدى الصدر

ولد مقتدى الصدر في 14 رجب 1393 هـ، الموافق 12 آب 1973 م، في بيت جده بحي العمارة في النجف الأشرف.

ينحدر مقتدى الصدر من عائلة الصدر، وهي إحدى أبرز العائلات الدينية الشيعية في العراق، التي تعود أصولها إلى منطقة جبل عامل في لبنان·

الإمام موسى الكاظم

تنتسب العائلة إلى الإمام موسى الكاظم، الإمام السابع لدى الشيعة الاثني عشرية، ومن خلاله إلى الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت النبي محمد ﷺ·

محمد صادق الصدر

والده، السيد محمد محمد صادق الصدر، كان مرجعا دينيا بارزا في العراق، ووالدته هي السيدة مسرة بنت محمد جعفر الصدر·

تزوج السيد مقتدى الصدر من ابنة عمه، السيدة أسماء محمد باقر الصدر، ابنة المرجع الديني المعروف السيد محمد باقر الصدر·

تعد عائلة الصدر من العائلات الهاشمية الحسينية، التي لعبت دورا مهما في التاريخ الديني والسياسي في العراق ولبنان وإيران·

قدمت العائلة العديد من العلماء والمراجع الدينيين البارزين، مثل السيد إسماعيل الصدر والسيد موسى الصدر·

دراسة مقتدى الصدر

بعد إتمامه المرحلة الإعدادية، التحق السيد مقتدى الصدر بالحوزة العلمية في النجف عام 1988، حيث درس على يد والده، السيد محمد محمد صادق الصدر، وكذلك على يد علماء آخرين مثل محمد كلانتر ومحمد الجواهري·

خلال هذه الفترة، تولى الصدر الإشراف على جامعة الصدر الدينية ومدرسة الإمام المهدي، بالإضافة إلى رئاسة تحرير مجلة “الهدى”·

في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انتقل الصدر إلى مدينة قم في إيران لمواصلة دراسته الدينية، حيث تتلمذ على يد علماء بارزين مثل آية الله كاظم الحائري وآية الله جعفر السبحاني·

ورغم الجهود التي بذلها لتعزيز مكانته الدينية، لا يزال الصدر بعيدا عن نيل صفة المرجع، حيث أتم مرحلة السطوح العالية وبدأ بمتابعة مرحلة البحث الخارج، لكنه لم يعلن بعد عن حصوله على لقب “آية الله”، ويستخدم بدلا من ذلك لقب “حجة الإسلام والمسلمين”·

اقرا أيضا: نوري المالكي .. من المنفى إلى حكم العراق

حياة مقتدى الصدر السياسية

بعد اغتيال والده وأشقائه، تولى مقتدى الصدر المهام والمسؤوليات التي كانت ملقاة على عاتق والده·

أشرف على إدارة مدارس الحوزة العلمية وأعاد فتح مكتب والده·

كما قام بتأسيس مجاميع سرية استهدفت قيادات وأعضاء حزب البعث وأجهزة الأمن والاستخبارات·

وبرز نشاط هذه المجاميع في عمليات منظمة استهدفت مقرات حكومية وأمنية، بالإضافة إلى مكاتب حزب البعث في محافظة البصرة خلال ما عُرف بـ”انتفاضة الصدر”·

سيطر المسلحون خلالها على المدينة، وأسفر ذلك عن مقتل محافظ البصرة وعشرات من أعضاء وقادة حزب البعث قبل أن يتدخل الفيلق الثالث في الجيش العراقي لإخماد التحركات·

كانت الرقابة الأمنية المشددة والمراقبة المستمرة على مقتدى الصدر عائقا أمام تحركاته وظهوره الإعلامي، إذ خشي التعرض لمصير مشابه لما حدث لوالده وأشقائه·

بالرغم من ذلك، واصل دراسته في الحوزة العلمية تحت إشراف المرجع محمد إسحاق الفياض·

وفي عام 2002، كان الظهور الإعلامي الأبرز لأنصاره حين تظاهروا أمام وزارة الإعلام العراقية مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين من أنصار الصدر·

مع سقوط نظام صدام حسين، برز مقتدى الصدر كقائد شعبي قوي في العراق·

انتشر أنصاره في العديد من المدن الشيعية وتولوا مهام أمنية مختلفة.

تمكن الصدر من إعادة بناء القاعدة الاجتماعية التي أسسها والده بين الطبقات الشيعية المسحوقة، التي كانت تعتبر نظام البعث والولايات المتحدة، إلى جانب النخب الأرستقراطية الشيعية بما فيها بعض المرجعية التقليدية، أعداءً ساهموا في حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية والسياسية·

التيار الصدري

التيار الصدري هو حركة سياسية ودينية شيعية في العراق، يقودها السيد مقتدى الصدر.

تعود جذور التيار إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حينما برز المرجع الديني السيد محمد صادق الصدر، والد مقتدى، الذي تمكن من بناء قاعدة جماهيرية واسعة بين أبناء الطبقة الفقيرة من الشيعة في العراق، وسعى لإحياء الهوية الدينية الشيعية·

كان السيد محمد صادق الصدر أول من أقام صلاة الجمعة للشيعة في العراق بعد توقفها لسنوات، مخالفا بذلك معظم المراجع الشيعية التقليدية·

في عام 1999، اغتيل السيد محمد صادق الصدر ونجلاه في النجف، ممّا أدى إلى اندلاع مظاهرات واحتجاجات واسعة في المناطق الشيعية، خاصة في “مدينة الصدر” ببغداد·

بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، برز السيد مقتدى الصدر كقائد للتيار الصدري، مستندا إلى الإرث الديني والسياسي لوالده·

التيار الصدري في العملية السياسية

سياسيا، شارك التيار الصدري في العملية السياسية بعد عام 2003، وتحالف مع قوى شيعية أخرى ضمن “الائتلاف العراقي الموحد”· 

في انتخابات عام 2010، خاض التيار الانتخابات بقائمة مستقلة تحت اسم “كتلة الأحرار”، وحصل على 40 مقعدا في مجلس النواب· 

استمر التيار في تعزيز حضوره السياسي، وفي انتخابات عام 2018، تحالف مع قوى مدنية وعلمانية ضمن تحالف “سائرون”، محققا 54 مقعدا، ممّا جعله الكتلة الأكبر في البرلمان·

تميزت علاقة التيار الصدري مع إيران بالتعقيد· فعلى الرغم من الروابط الدينية والمذهبية، سعى السيد مقتدى الصدر إلى الحفاظ على استقلالية قراره السياسي، ورفض التدخلات الخارجية في الشأن العراقي·

هذا الموقف أدى إلى توتر العلاقات مع بعض الفصائل الشيعية الموالية لإيران·

في انتخابات عام 2021، حقق التيار الصدري فوزا كبيرا، بحصوله على 73 مقعدا في مجلس النواب، ممّا عزز من نفوذه السياسي·

سعى التيار إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مستبعدا بعض القوى التقليدية، ممّا أدى إلى تصاعد التوترات السياسية·

في يونيو 2022، أعلن نواب الكتلة الصدرية استقالتهم من البرلمان، في خطوة وصفت بأنها محاولة لكسر الجمود السياسي·

يعتبر التيار الصدري اليوم أحد أبرز الفاعلين في الساحة السياسية العراقية، مستندا إلى قاعدة جماهيرية واسعة، خاصة في المناطق الفقيرة·

جيش المهدي

في منتصف عام 2003، أعلن السيد مقتدى الصدر عن تشكيل “جيش المهدي”، وهو فصيل مسلح ظهر في سياق الغزو الأمريكي للعراق، حيث قدم نفسه كقوة مقاومة تهدف إلى مواجهة الاحتلال الأميركي وحماية المناطق الشيعية.

وسرعان ما تحول الفصيل إلى أحد أبرز الجهات المسلحة على الساحة العراقية، حيث خاض مواجهات شرسة مع القوات الأميركية، وشارك في عمليات عسكرية امتدت إلى مدن عدة، أبرزها النجف، البصرة، الناصرية، العمارة، ومدينة الصدر في بغداد.

الاشتباكات مع القوات الأميركية

في مايو/أيار 2004، اندلعت أولى المواجهات الكبرى بين القوات الأميركية و”جيش المهدي”، حينما حاولت القوات الأميركية اعتقال مقتدى الصدر، الذي وجهت إليه اتهامات باغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي.

كانت معركة النجف، التي اندلعت وسط مقبرة المدينة، واحدة من أشد المواجهات، حيث استمرت الاشتباكات لشهور، قبل أن يتدخل المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني ويقود وساطة أنهت القتال باتفاق لوقف إطلاق النار وتسليم مفاتيح الصحن الحيدري إلى المرجعية الدينية.

تصاعد الدور السياسي والعسكري

مع تزايد النفوذ العسكري لـ”جيش المهدي”، تصاعدت الاتهامات الموجهة إليه بشأن الانخراط في أعمال عنف طائفية، لا سيما بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، وهو الحدث الذي أشعل موجة من الصراعات الطائفية في البلاد.

في ظل هذه التطورات، أعلن الصدر في عام 2007 عن تعليق أنشطة جيش المهدي المسلحة لمدة ستة أشهر، ثم مدد القرار في 2008، في محاولة لاحتواء التوترات وامتصاص الضغوط الداخلية والدولية.

مواجهة الحكومة العراقية

رغم قرارات التجميد، شهد عام 2008 مواجهة حاسمة بين الحكومة العراقية و”جيش المهدي”، حيث أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بشن حملة عسكرية ضد الفصيل المسلح في البصرة، متهما إياه بالضلوع في عمليات اغتيال وخطف.

انتهت المواجهات بعد مفاوضات بين الصدر ومسؤولين حكوميين، حيث أصدر السيد الصدر أوامر بوقف إطلاق النار وأعلن أن “جيش المهدي” سيتحول إلى منظمة ثقافية واجتماعية، لكنه احتفظ بوحدات قتالية لمقاومة القوات الأميركية إذا لم يتم الاتفاق على جدول زمني لانسحابها من العراق.

مرحلة ما بعد جيش المهدي: تأسيس سرايا السلام

في عام 2014، ومع اجتياح تنظيم داعش لمساحات واسعة من العراق، أعلن مقتدى الصدر عن تشكيل قوة جديدة تحت اسم “سرايا السلام”، لتتولى مسؤولية حماية المراقد والمقدسات الدينية، في ظل انهيار العديد من القطاعات الأمنية في البلاد.

مثلت هذه الخطوة امتدادا جديدا للدور العسكري الذي لعبه “جيش المهدي”، لكن في إطار أكثر تنظيما وتوجيها.

منذ تأسيسه، مر “جيش المهدي” بتحولات كبيرة، حيث بدأ كفصيل مسلح ضد الاحتلال الأميركي، ثم أصبح لاعبا أساسيا في الساحة العراقية، وصولا إلى إعلان تجميده وتحوله إلى قوة ذات طابع سياسي واجتماعي، قبل أن يعود بواجهة جديدة عبر “سرايا السلام”، التي استمرت في النشاط العسكري ضمن المشهد العراقي المتغير.

اقرا أيضا: بغداد .. عاصمة التاريخ والحضارة

المواقف السياسية لمقتدى الصدر

على مدار عقدين، اتخذ السيد مقتدى الصدر مواقف بارزة في المشهد السياسي العراقي.

تميزت بكونها مفاجئة، لكنها ظلت متسقة مع أهدافه الإصلاحية،

ومن أبرز هذه المواقف:

مقاومة الاحتلال الأميركي

تبنى الصدر منذ البداية خطابا معاديا للاحتلال، وأسهمت القوات العكسرية المرتبطة به في شن عمليات ضد القوات الأميركية·

الدعوة إلى الإصلاح

قاد الصدر احتجاجات واسعة ضد الفساد وسوء الإدارة في العراق.

ودعا إلى إصلاح النظام السياسي، بما في ذلك تغيير قانون الانتخابات·

الانسحاب من العملية السياسية

أعلن الصدر في أكثر من مناسبة انسحابه من العملية السياسية، لكنه غالبا ما يعود بقوة عبر تحالفات وانتخابات·

الدور الإقليمي

على الرغم من انتمائه الفكري لمدرسة المرجعية في العراق، حاول الصدر الحفاظ على مسافة متوازنة مع بعض القوى الاقليمية.

مؤلفات مقتدى الصدر

له العديد من المؤلفات، ومنها:

  • منهج العقيدة
  • نصائح عامة إلى خطباء المنبر الحسيني
  • محاضرات قرآنية
  • مشروع الإصلاح
  • كلمة حول المرأة
  • كلمات القائد حول التطبير
  • محاضرات عقائدية
  • في ضيافة الله
  • طريق الإصلاح
  • زاد التقوى
  • زيارة أمير المؤمنين في مولد النبي
  • رسائل توعوية
  • حوار قائد السلام مع جند السلام
  • حدثني الولي
  • حديث في فضل العلم
  • توصيات في شهر رمضان
  • حج الفقراء
  • بحث حول التقليد
  • بحث عن الهجرة
  • الوصايا العشر
  • الجهاد في كلمات
  • اسأل و الصدر يجيب
  • اضواء على اصول الدين و فروعه
  • البكاء على الامام الحسين
  • البكاء في الشريعة
  • حوار التيار الديني مع التيار المدني
  • رفع الشبهات
  • الصوم – زكاة الفطر – الاعتكاف
  • الهدف النبيل
  • يوم العمال في نظر الإسلام
  • الولاية حقيقتها و مصداقها
  • نظرة قرآنية على مفهوم الصحابة
  • آيات العطاء في التعامل مع النساء
  • المنهج القويم في فهم كتاب الله العظيم
  • نظرة في ألأجتهاد والتقليد
  • نظرة حداثوية في الأحكام الشرعية وتكاملها
  • دعوة الحق في شهري محرم الحرام وصفر الخير

اقرا أيضا: الامام موسى الكاظم

مشاركة عبر:
Facebook
LinkedIn
X
WhatsApp
Telegram

اخبار مختارة

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي