حرق الغاز العراقي
في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية التي يواجهها العالم اليوم، يبرز العراق كأحد البلدان التي تعاني من ظاهرة حرق الغاز المصاحب، الذي يعد من أكبر مصادر تلوث الهواء وإهدار الطاقة في المنطقة.
ورغم أن العراق يعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن حرق كميات ضخمة من الغاز المصاحب الناتج عن استخراج النفط يعد إهداراً غير مبرر للموارد الطبيعية التي يمكن الاستفادة منها في توليد الطاقة أو في الصناعات البتروكيميائية.
وتكشف الأرقام أن العراق يحرق سنويا مليارات الأمتار المكعبة من الغاز، ما يسبب تلوثا شديدا للبيئة ويساهم في تغيرات المناخ العالمية.
وفيما يسعى العراق لتطوير قطاع الطاقة، تظل ظاهرة حرق الغاز العراقي تمثل تحديا كبيرا أمام تنمية اقتصاده واستدامة موارده.
أبرز آثار حرق الغاز المصاحب:
- تلوث الهواء: انبعاث مواد مسرطنة مثل البنزين والفورمالدهيد.
- الأمراض السرطانية: ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان خاصة في البصرة.
- تدهور البيئة: فقدان التنوع البيولوجي والتصحر.
- الهدر المالي: خسائر بمليارات الدولارات نتيجة إتلاف الغاز.
- المساهمة في الاحتباس الحراري: زيادة انبعاثات غازات الدفيئة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون.
آثار حرق الغاز المصاحب
خلال السنوات الخمس الماضية، قامت الشركات المشغلة للحقول النفطية في محافظة البصرة، جنوبي العراق، بحرق أكثر من 50% من الغاز المصاحب، ممّا أدى إلى انبعاث مركبات كيميائية خطيرة بتركيزات عالية في الهواء.
هذه الانبعاثات تمثل تهديدا حقيقيا للصحة العامة، حيث أظهرت دراسة بحثية أجرتها جامعة ميسان في عام 2021 أن مركز محافظة البصرة تصدر قائمة الإصابات بالأمراض السرطانية، بنسبة 76.3 حالة لكل 100 ألف شخص في عام 2020.
كما تبعته منطقتا الزبير والقرنة في نسب الإصابات، ممّا يبرز العلاقة المباشرة بين حرق الغاز المصاحب وتزايد المخاطر الصحية في هذه المناطق.
اقرا ايضا: أزمة الكهرباء في العراق .. الأسباب والتحديات والحلول المقترحة
مقارنة بين الفوائد الضائعة والآثار السلبية لحرق الغاز
الجانب | الفوائد الضائعة | الآثار السلبية |
---|---|---|
الطاقة | كان يمكن استغلاله في توليد الكهرباء والصناعات البتروكيميائية | انقطاعات مستمرة للكهرباء واعتماد على الاستيراد |
البيئة | خفض التلوث إذا استُثمر بشكل صحيح | انبعاث غازات سامة واحتباس حراري |
الاقتصاد | توفير مليارات الدولارات | هدر مالي متكرر |
الصحة | تقليل الأمراض التنفسية والسرطانية | ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان |
البحث عن العدالة .. حرق الغاز وتأثيره الصحي في العراق
لا يستطيع حسين جلود استرجاع ابنه الذي توفي بسبب سرطان الدم، لكنه يسعى بكل جهد لمحاسبة المسؤولين عن تلوث الهواء الناجم عن حرق الغاز المصاحب في أكبر حقول النفط في العراق.
يؤمن حسين بأن عملية حرق الغاز كانت السبب وراء إصابة ابنه علي بالسرطان، ويعمل على خوض معركة قضائية ضد الشركة المسؤولة عن ذلك.
وقد أشار تقرير ديوان الرقابة المالية الاتحادي العراقي في يونيو 2023 إلى أن تركيزات الهيدروكربونات غير الميثانية، التي تسبب السرطان، في حقول نفط البصرة تجاوزت الحدود المسموح بها، ممّا يزيد من القلق حول تأثير الحرق المستمر للغاز على صحة السكان المحليين.
وعلى الرغم من أن علي حسين ليس الوحيد الذي توفي نتيجة إصابته باللوكيميا بسبب حرق الغاز المصاحب في حقل الرميلة قرب البصرة، فإن العديد من الأطفال مثل فاطمة وعباس وكاظمية و خلدون وغيرهم قد عانوا من نفس المصير، وفقًا لرئيس منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي.
أما مامونور راشد، مسؤول ملف البيئة والطاقة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالعراق، فقد أشار إلى أنه لا يوجد حتى الآن دليل علمي قاطع يربط بين الحرق والإصابة بالسرطان في البصرة.
ويؤكد راشد وجود روابط منطقية تشير إلى أن حرق الغاز قد يكون له دور مباشر في تحفيز السرطان.
وفي غياب الدراسات المحددة التي تركز على العلاقة بين حرق الغاز والسرطان في العراق، يعتقد راشد أن العراق يمكنه الاستفادة من التجارب الدولية.
على سبيل المثال، أظهرت الدراسات في دلتا النيجر في نيجيريا، وهي منطقة تعاني من حرق الغاز بنفس الطريقة، زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بالسرطان في المجتمعات القريبة من مواقع الحرق.
مواد ملوثة ومسرطنة .. خطر حرق الغاز على الصحة
عند حرق الغاز، تنبعث العديد من المركبات العضوية المتطايرة مثل البنزين، التولوين، الزيلين، والفورمالدهيد، وهي مواد ملوثة ومعروفة بأنها مسرطنة.
هذه المركبات ترتبط ارتباطا وثيقا بـ سرطان الدم وأنواع أخرى من السرطانات المرتبطة بالدم.
ويؤكد مامونور راشد أن التعرض طويل الأمد لهذه المواد يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسرطان.
ويضيف راشد أن الحرق يؤدي أيضا إلى إطلاق الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، وهي مواد مسرطنة يمكن أن تسبب سرطان الرئة والجلد والمثانة عند التعرض المستمر.
كما أن الديوكسينات والفيورانات، التي تعد من المواد المسببة للسرطان، تم ربطها بأنواع عدة من السرطان مثل سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الكبد.
تتمثل الطرق الأكثر خطورة للإصابة المباشرة في الاستنشاق، حيث تتعرض المجتمعات القريبة من مواقع استخراج النفط لخطورة أكبر نتيجة استنشاق الهواء الملوث بالمركبات المسرطنة.
كما أن ملامسة الجلد للتربة أو الماء الملوث أو حتى الجزيئات الهوائية يمكن أن تؤدي إلى امتصاص المواد المسرطنة، ممّا يزيد من خطر الإصابة بـ سرطان الجلد.
أما عن الطرق غير المباشرة، فيشير راشد إلى أن الملوثات الناتجة عن حرق الغاز قد تستقر على المحاصيل الزراعية أو في مصادر المياه أو على الأسطح، ممّا يؤدي إلى ابتلاعها عبر الطعام أو الماء، وبالتالي يسهم في تطور السرطان.
ويحذر راشد من أن العمال المشاركين في عمليات استخراج النفط والعمل بالقرب من مواقع حرق الغاز هم الأكثر تعرضا لهذه المخاطر الصحية، حيث تكون تدابير الحماية غالبا غير كافية، ممّا يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين هذه المجموعة.
اقرا ايضا: أزمة المياه في العراق .. الأسباب والتداعيات والخرائط القادمة للعطش
حرق الغاز .. الأضرار الصحية والبيئية
تتعدى أضرار حرق الغاز المصاحب للنفط الحدود الصحية لتطال البيئة أيضا.
وفقا لـ مامونور راشد، فإن عملية الحرق لا تقتصر على كونها مسرطنة فقط، بل يمكن أن تسبب أمراضا تنفسية مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، بالإضافة إلى الصداع والدوار وأعراض عصبية أخرى نتيجة إطلاق مواد كيميائية سامة.
أما في ما يتعلق بالبيئة، فيؤكد عادل صادق وكر، المتخصص في شؤون الطاقة بالبصرة، أن حرق الغاز يتسبب في دخول الملوثات إلى الهواء، ممّا يؤدي إلى ارتفاع حاد في تلوث الجو الذي يؤثر بشكل مباشر على التنوع البيئي والمناطق الزراعية في العراق.
ويضيف وكر أن الحرق يسهم في تغييرات ديموغرافية، ويزيد من تمدد المناطق النفطية باتجاه الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى تصحر هذه الأراضي.
يعتبر الهدر المالي نتيجة حرق الغاز أيضا قضية مؤرقة، إذ يتطلب الحرق تكاليف باهظة تساهم في إهدار المال العام، بينما الأضرار البيئية الناتجة عن هذه العملية من الصعب معالجتها بسهولة.
مامونور راشد يحذر من استمرار عمليات الحرق دون رقابة، مؤكدا أن الأضرار ستؤدي إلى تسريع تغير المناخ، وتلوث التربة والمياه، وفقدان التنوع البيولوجي.
الأمراض المرتبطة بحرق الغاز
المادة المنبعثة | الأمراض المرتبطة | خطورة التعرض |
---|---|---|
البنزين | سرطان الدم (لوكيميا) | عالية |
التولوين | اضطرابات عصبية | متوسطة – عالية |
الديوكسينات | سرطان الكبد والجلد | عالية جدا |
الهيدروكربونات العطرية | سرطان الرئة والمثانة | عالية |
حرق الغاز والاحتباس الحراري
تؤكد الدراسات أن حرق الغاز يساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال إطلاق غازات دفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون و الميثان.
ويعد الميثان أكثر ضررا من ثاني أكسيد الكربون كونه أقوى بكثير في تأثيره على المناخ. وعلى الصعيد العالمي، يسهم حرق الغاز في حوالي 1-2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا.
علاوة على ذلك، يطلق حرق الغاز ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة، ممّا يسهم في تدهور جودة الهواء.
وعند تفاعل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين مع بخار الماء في الجو، يتم تكوين الأمطار الحمضية التي تزيد من حموضة التربة والمسطحات المائية، ممّا يلحق أضرارا خطيرة على الحياة النباتية والمائية.
اقرا ايضا: النفايات في العراق .. أزمة بيئية تهدد الصحة والاقتصاد
الأسئلة الشائعة عن حرق الغاز العراقي
الغاز المصاحب هو الغاز المنبعث أثناء استخراج النفط، يُحرق لغياب البنية التحتية لمعالجته.
يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، أمراض الجهاز التنفسي، واضطرابات الجهاز العصبي.
نعم، يمكن استغلاله في توليد الكهرباء، الصناعات البتروكيميائية، وتصديره كمورد اقتصادي ضخم.
يساهم في الاحتباس الحراري من خلال انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون التي تزيد من تغيّر المناخ.