المحتوى الهابط في العراق .. بين الرقابة الحكومية وحرية التعبير

المحتوى الهابط في العراق

المحتوى الهابط في العراق

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العراق في مجال الإعلام الرقمي، أصبحت ظاهرة “المحتوى الهابط” من القضايا التي تثير الجدل بين السلطات والمجتمع المدني.

فقد بدأت وزارة الداخلية العراقية منذ عامين حملة موسعة لملاحقة صانعي هذا النوع من المحتوى، في خطوة تهدف إلى الحد من تأثيراته السلبية على المجتمع العراقي.

رغم أن هذه الحملة أسفرت عن العديد من الاعتقالات والأحكام القضائية ضد مرتكبيها، فإن غياب التشريعات القانونية الواضحة يظل يشكل تحديا في تنظيم هذه الظاهرة بشكل فعال.

من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه الحملة ساهمت في تراجع المحتوى الهابط على منصات التواصل الاجتماعي، بينما يعبر آخرون عن مخاوف من تأثيرها على الحريات الشخصية وحقوق الصحافيين.

أبرز ملامح أزمة المحتوى الهابط في العراق

  • أطلقت الحكومة حملة لمكافحة المحتوى الهابط منذ 2023.
  • الاعتقالات تركزت على صناع محتوى شباب.
  • غياب التشريعات الواضحة يزيد الجدل القانوني.
  • بعض الجهات مستثناة من الرقابة مثل الخطاب الديني.
  • الانقسام المجتمعي بين مؤيد يعتبره حماية للقيم، ومعارض يراه قمعًا للحريات.

الحملة الحكومية لمكافحة المحتوى الهابط في العراق

في بداية عام 2023، أطلقت السلطات العراقية لجنة أمنية خاصة لمتابعة ورصد المحتوى الهابط عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقد تم تكليف هذه اللجنة بمهمة تتبع الأنشطة الرقمية المضللة والمحتويات المخلة بالآداب العامة، والتي كان لها تأثير سلبي على المجتمع العراقي.

وفي إطار هذه الحملة، تم تنفيذ العديد من الاعتقالات بحق صانعي المحتوى الذي يتم تصنيفه على أنه “هابط”، بالإضافة إلى إحالتهم إلى القضاء لإصدار الأحكام المناسبة.

وأدى هذا التحرك إلى تراجع واضح في انتشار هذه الظاهرة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت التقارير أن الحملة كانت ناجحة في الحد من عدد الصفحات والمحتويات المسيئة.

المحتوى الهابط

اقرا ايضا: أزمة المياه في العراق .. الأسباب والتداعيات والخرائط القادمة للعطش

ازدواجية المعايير في الرقابة الإعلامية

كشف مسؤول في هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، في تصريح، أن هناك أكثر من 10 آلاف صانع محتوى في العراق، مشيرا إلى ضرورة الرقابة على الأفكار والثقافات التي يتم بثها عبر هذه الوسائل.

وأضاف أن الحملات ضد المحتوى الهابط قد أسهمت في تقليص تقديم المواد التافهة من قبل العديد من صناع المحتوى.

ومع ذلك، لفت إلى أن السلطات العراقية لا تلاحق رجال الدين الذين يروجون لخطاب الكراهية والطائفية، ولا المحرضين على النساء أو الحريات الشخصية أو الناشطين المدنيين.

ويعتبر هذا التوجه الحكومي بمثابة سياسة أحادية تركز على استهداف الآراء المعارضة فقط، بينما تُستثنى الأصوات التي تخدم مصالح الأحزاب الحاكمة.

وأشار المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالتصريح، إلى أن هناك خطة قيد التحضير للسيطرة على صناع المحتوى، موضحا أن الهدف منها هو “تقديم صورة مشرفة للعراق على المستوى الدولي”، في ظل رفض نشر أفكار “منحرفة” أو الدعوة إلى التحريض على السياسة.

ورغم عدم الإفصاح عن التفاصيل القانونية التي تحكم هذه الإجراءات، فإن المؤكد أن السلطات تستثني صناع المحتوى الذين يؤيدون الفصائل المسلحة، حيث يتضمن محتواهم عادة ترويجا لخطاب طائفي يدعو للكراهية ويحرض على انتهاك الحريات.

التأثير النفسي والاجتماعي للمحتوى الرقمي

أكد أخصائي الطب النفسي الدكتور أحمد السعيدي، من خلال اطلاعه على عدد من الحالات، تنامي تأثير منصات التواصل الاجتماعي على المجتمع العراقي، خاصة الشباب.

وأوضح أن نوعية المحتوى تلعب دورا مهما في تحديد التأثير، مشيرا إلى أن المحتوى الهادف يمكن أن يكون أداة فعالة في نشر الوعي وتحسين مهارات الأفراد.

وأضاف أنه ينصح مرضى الاضطرابات النفسية بمتابعة صناع محتوى يقدمون برامج ترفيهية ذات معلومات قيمة، لكنه حذر من خطورة المحتوى الهابط الذي يروج لسلوكيات غير صحية ويؤثر سلباً على الصحة النفسية.

من جهته، اعتبر أحمد حقي، عضو التيار المدني العراقي، إجراءات السلطة ضد صناع المحتوى محاولة للسيطرة عليهم.

وأشار إلى أن الإعلام في العراق تحت سيطرة السلطة، ما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي تشكل هاجساً للأحزاب الدينية الحاكمة.

وأوضح أن الإجراءات تستثني الخطاب الديني المؤيد للأحزاب، مؤكدا أن الجمهور هو من يحدد نجاح أو فشل صانع المحتوى.

كما شدد على ضرورة تنظيم العمل في محاربة التحريض والكراهية، مع ضرورة احترام حرية التعبير دون تعسف.

المحتوى الهابط في العراق

صراع بين الإبداع والسطحية على المنصات الرقمية

رغم الانتقادات المتزايدة، يبقى هناك العديد من صناع المحتوى الذين يرون أن ما يقدمونه عبر منصاتهم هو مجرد تعبير عن هوياتهم الشخصية ورغباتهم.

على سبيل المثال، علاء طالب (23 عاما) الذي يشارك محتوى رياضيا على “إنستغرام”، يؤكد في حديثه أن ما يقدمه هو “حرية رأي” ويهدف إلى الشهرة على المستوى العربي.

بينما يرى محمد وليد (29 عاما)، رسام ونحات متخصص في فنون الزجاج، أن انتشار “المحتوى الهابط” يؤثر سلبا على الفنون ويشوه سمعة الفنانين الحقيقيين.

ويعبر وليد عن استيائه من أن المحتوى الإبداعي الذي يعزز الثقافة والوعي يعاني من ضعف الانتشار مقارنة بالمحتويات السطحية التي تجذب المزيد من المتابعين والمشاهدات.

حرية التعبير أم تقييد الحريات؟

الجدل حول “المحتوى الهابط” لا يقتصر فقط على صناع المحتوى المبدعين، بل يمتد أيضا إلى الشباب الذين يرون أن هذه الرقابة الحكومية تمثل “قمعا للحريات”.

كرم عبد الحسن (22 عاما)، حلاق يسعى للنجاح على “تيك توك”، يرى أن الرقابة على المحتوى هي محاولة لعرقلة مشاريع الشباب وطموحاتهم.

وفي المقابل، يعارض همام جاسم (20 عاما)، الطالب الجامعي، هذا الرأي، مؤكدا أن “المحتوى الهابط” ينعكس سلبا على سلوك الأفراد ويؤدي إلى انتشار السلوكيات غير المقبولة مثل العنف اللفظي والاستفزاز.

هل الرقابة على المحتوى ضرورة أم تهديد للحريات؟

منذ أكثر من عامين، بدأت الحكومة العراقية في تنفيذ إجراءات صارمة ضد ما يعتبر “المحتوى الهابط”، ما شمل إنذارات لمشاهير وعقوبات بالسجن بحق آخرين.

لكن يبقى السؤال: هل حقا تشكل هذه الإجراءات تهديدا لحرية التعبير؟ أم أنها خطوة ضرورية لحماية القيم المجتمعية في ظل انتشار محتوى قد يتسبب في تدهور التقاليد والأخلاق؟.

اقرا ايضا: الدينار العراقي .. من التأسيس إلى التحولات الاقتصادية

مشاركة عبر:
Facebook
LinkedIn
X
WhatsApp
Telegram

اخبار مختارة

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي