مع انقضاء عام 2024 واستقبالنا لعام 2025، تتعمق جراح العراق في مواجهة آفة الفساد التي نخرت مؤسساته وأثرت سلبا على حياة مواطنيه·
فبدلا من التقدم نحو مستقبل مشرق، نجد أن الأوضاع تزداد سوءا، حيث تتفاقم الأزمات وتتردى الخدمات، ممّا يضع العراق أمام تحديات جسيمة تتطلب وقفة جادة وإصلاحات حقيقية·
الفساد في العراق.. واقع مرير
يصنف العراق ضمن أكثر الدول فسادا في العالم، حيث احتل المرتبة 153 عالميا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية·
هذا الوضع يعكس هيمنة الفساد على مؤسسات الدولة، ممّا يعيق جهود التنمية ويؤثر سلبا على حياة المواطنين·
أبرز قضايا الفساد في العراق عام 2024
شهد العراق خلال عام 2024 سلسلة من قضايا الفساد التي أثرت بشكل كبير على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد·
تعد هذه القضايا استمرارا لتحديات الفساد المستمرة منذ سنوات، والتي تعيق جهود التنمية والاستقرار·
فضيحة تعويضات ضحايا الإرهاب
في عام 2024، شهدت محافظة ديالى فضيحة فساد جديدة تمثلت في سرقة أموال مخصصة لتعويضات ضحايا الأعمال الإرهابية·
في البداية، قدرت المبالغ المسروقة بحوالي 9 مليارات دينار عراقي، إلا أن التحقيقات اللاحقة كشفت عن ارتفاع هذا الرقم إلى 40 مليار دينار·
وأشارت التقارير إلى أن موظفين في ديوان محافظة ديالى تورطوا في هذه السرقة، حيث تم اختلاس الأموال المخصصة لتعويض المتضررين من الإرهاب والعمليات العسكرية·
تم تنفيذ الجريمة بطرق مدروسة، ممّا أثار تساؤلات حول الجهات التي تقف خلفها وكيفية سحب تلك الأموال من حسابات المحافظة·
وأثارت هذه القضية استياء واسعا بين المواطنين والمسؤولين، حيث دعا نواب عن محافظة ديالى، إلى تحقيق شامل وشفاف للكشف عن المتورطين ومحاسبتهم·
كما طالبوا الجهات المختصة، بما في ذلك هيئة النزاهة والقضاء، بالتحرك السريع لاستعادة الأموال المسروقة ومحاسبة الجناة·
سرقة القرن
تعتبر قضية “سرقة القرن” من أبرز فضائح الفساد في العراق، حيث تم الكشف عن اختلاس 2·5 مليار دولار من الأمانات الضريبية·
في نوفمبر 2024، أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد أوامر بالقبض على المتهمين الرئيسيين في القضية، بما في ذلك رجل الأعمال نور زهير والمستشار السابق لرئيس الوزراء هيثم الجبوري·
تم الحكم على نور زهير بالسجن لمدة 10 سنوات، وعلى هيثم الجبوري بالسجن لمدة 3 سنوات·
قضية التسجيل الصوتي
في نوفمبر 2024، انتشر تسجيل صوتي نسب إلى عبد الكريم الفيصل، رئيس هيئة المستشارين في مكتب رئيس الوزراء، يظهِر طلبه لرشوة مقابل منح فرصة استثمارية·
ورغم نفي الفيصل للتهم، بدأت هيئة النزاهة تحقيقا في القضية، ممّا أثار تساؤلات حول نزاهة المسؤولين الحكوميين وفعالية الرقابة الحكومية·
فساد وزارة الداخلية
أقرت وزارة الداخلية بتسجيل حوالي 15 ألف قضية فساد ومخالفات بحق ضباط ومنتسبين في الوزارة خلال عام 2024، وتم طرد أكثر من 3 آلاف منهم·
هذا الرقم الصادم يظهر حجم الفساد المستشري داخل المؤسسات الأمنية، ويبرِز فشل الحكومة في تطهير هذه المؤسسات من العناصر الفاسدة·
صفقات فساد في قطاع الصحة
شهدت محافظة كركوك صفقة فساد بقيمة تزيد على 287 مليون دينار تتعلق بالأجهزة الطبية، كما تم رصد فساد في شراكات أخرى داخل القطاع الصحي·
هذه القضايا تسلط الضوء على التلاعب بأرواح المواطنين من خلال التلاعب بالمعدات الطبية، وتظهر تقاعس الحكومة في حماية القطاع الصحي من الفساد·
تردي الخدمات العامة
شهد العراق خلال عام 2024 تدهورا ملحوظا في مستوى الخدمات العامة، ممّا أثار استياء واسعا بين المواطنين وأدى إلى احتجاجات شعبية في مختلف المناطق·
تتجلى هذه المشكلات بشكل خاص في قطاعات الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم، حيث يعاني المواطنون من نقص حاد في هذه الخدمات الأساسية·
قطاع الكهرباء في العراق
يعد قطاع الكهرباء في العراق من أكثر القطاعات تأثرا بالتدهور، حيث يعاني المواطنون من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة.
في بغداد ومدن أخرى يعاني المواطنون من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، حيث تسجل بعض المناطق انقطاعا يدوم لأربع ساعات مقابل عودة التيار لمدة لا تتجاوز 13 دقيقة، ممّا يثير استياء واسعا بين السكان·
وأرجع مختصون أسباب تردي خدمة الكهرباء إلى تفشي الفساد المالي والإداري في المؤسسات المعنية، إلى جانب سوء التخطيط والإدارة·
ورغم الميزانيات الضخمة التي تُخصص لقطاع الكهرباء سنويا، لا تزال المشاريع الخاصة بإصلاح البنية التحتية وتطوير المحطات متعثرة، ممّا يؤدي إلى ضعف تجهيز الطاقة وزيادة الاعتماد على المولدات الأهلية·
قطاع المياه في العراق
يعاني العراق من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، حيث تتلوث مصادر المياه نتيجة الإهمال وغياب الصيانة، بالإضافة إلى انخفاض منسوب الأنهار بسبب السدود التي تقيمها دول الجوار·
هذا الوضع أدى إلى انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وزيادة معاناة المواطنين، خاصة في المناطق الريفية·
قطاع الصحة في العراق
شهد القطاع الصحي تراجعا كبيرا في مستوى الخدمات المقدمة، حيث تفتقر المستشفيات إلى المعدات الطبية الأساسية، وتعاني من نقص في الكوادر المؤهلة، ممّا أدى إلى انخفاض مستوى الرعاية الصحية وزيادة معدلات الوفيات·
في عام 2024، تم الكشف عن صفقة فساد في صحة كركوك بمبلغ أكثر من 287 مليون دينار تتعلق بالأجهزة الطبية، ممّا يبرز حجم الفساد الذي يعيق تحسين هذا القطاع الحيوي·
قطاع التعليم في العراق
شهدت الخدمات التعليمية في العراق خلال عام 2024 تدهورا ملحوظا، ممّا أثر سلبا على جودة التعليم ومستقبل الأجيال القادمة·
يعاني العراق من نقص حاد في عدد المدارس مقارنة بعدد الطلاب المتزايد، حيث بلغ عدد الطلاب 10,384,154 طالبا، بينما يصل عدد المدارس إلى 28,986 فقط·
هذا النقص أدى إلى اكتظاظ الصفوف الدراسية، حيث تضم بعضها أكثر من 45 طالبا في الصف الواحد، ممّا يؤثر سلبا على جودة التعليم·
قطاع الإسكان في العراق
أدى التوسع غير المدروس في توزيع الأراضي وبناء المجمعات السكنية إلى إشكاليات في العاصمة بغداد·
أشار نائب رئيس لجنة التخطيط إلى أن العديد من الأراضي الممنوحة للاستثمار شهدت أسعار شقق مرتفعة، ممّا أضاف أعباء على أمانة بغداد في توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب·
تأثير الفساد على الاقتصاد العراقي
على الرغم من تحقيق العراق عائدات نفطية كبيرة، حيث بلغت الصادرات النفطية 3·4 ملايين برميل يوميا في الربع الأول من عام 2024.
إلا أن الفساد المستشري يحول دون استثمار هذه العائدات في تحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات للمواطنين·
يقدَّر أن الفساد كلف العراق حوالي 600 مليار دولار منذ عام 2003 وحتى منتصف عام 2020، ممّا يعكس حجم الأموال المهدورة التي كان يمكن أن تسهم في تطوير البلاد·
الحكومة الحالية.. وعود في الهواء
على الرغم من تعهدات الحكومة الحالية بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات، إلا أن الواقع يشير إلى تفاقم الأوضاع·
تتهم الحكومة بعدم اتخاذ إجراءات حاسمة وفعّالة لمعالجة المشكلات المتجذرة، ممّا أدى إلى استمرار معاناة المواطنين وتزايد حالة الاستياء الشعبي·
في ظل هذا الواقع، تتصاعد دعوات التيارات السياسية والمعارضين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة وجذرية لاحتواء هذه الآفة المتجذرة.
بما في ذلك إجراء حوار وطني شامل يعيد بناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي ويؤسس لمرحلة جديدة من الشفافية والمساءلة·
في الختام
يواجه العراق تحديات جسيمة في تحسين مستوى الخدمات العامة، في ظل تفشي الفساد والمحاصصة وسوء الإدارة·
يتطلب الوضع الحالي إرادة سياسية حقيقية وإجراءات فعّالة لمكافحة الفساد وتحقيق الشفافية.
بالإضافة إلى استثمار فعّال للموارد المتاحة لتحسين البنية التحتية وتقديم خدمات تلبي احتياجات المواطنين·
بدون تحقيق هذه الإصلاحات، ستستمر معاناة الشعب العراقي، ممّا يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد·
اقرا ايضا: الولايات المتحدة تدعو العراق والكويت لتكثيف جهود البحث عن المفقودين