الألغام في العراق
الألغام في العراق ليست مجرد بقايا من حروب مضت، بل هي خطر يومي يهدد المدنيين، ويعرقل التنمية، ويشوّه ملامح الاستقرار في بلد يسعى للتعافي.
مع وجود أكثر من 25 مليون لغم وعبوة غير منفجرة، تبقى إزالة الألغام أحد أبرز التحديات الأمنية والبيئية التي تواجه العراق حتى اليوم.
وبينما يسعى العراق للخروج من كوابيس الحروب المستمرة منذ عقود، لا تزال آثار تلك الحروب تلاحق الشعب العراقي في كل زاوية من زوايا البلاد.
في أعقاب الحروب الدامية التي مرت بها البلاد، أصبح العراق واحدا من أكبر الدول المتأثرة بالألغام الأرضية والمخلفات الحربية.
هذه الألغام، التي زرعها أطراف النزاع، تواصل تهديد حياة المدنيين، وتدمير البيئة، وتعرقل جهود التنمية المستدامة.
ورغم الجهود المستمرة من الحكومة العراقية والمنظمات الدولية لإزالة هذه الألغام، فإن تأثيراتها تبقى مدمرة، ولا تزال المناطق الملوثة بملايين الألغام تعد عقبة كبيرة في طريق استقرار العراق.
تاريخ الألغام في العراق
كيف بدأت مشكلة الألغام في العراق؟
تعود بداية استخدام الألغام في العراق إلى الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
ففي تلك الفترة، استخدم الطرفان المتحاربان الألغام بشكل مكثف في الحدود بين البلدين، مما أدى إلى تلوث مناطق واسعة في العراق بالألغام.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت حرب الخليج الثانية (1990-1991) سببا آخر في انتشار الألغام على الأراضي العراقية، حيث استخدم التحالف الدولي الألغام لتدمير المعدات العسكرية العراقية.
لكن أخطر فترة في تاريخ الألغام في العراق كانت عقب سقوط النظام في 2003.
ففي هذه الفترة، استخدمت العديد من الجماعات المسلحة الألغام بشكل واسع كجزء من العمليات العسكرية التي جرت في المدن والبلدات العراقية.
وكانت المناطق التي شهدت اشتباكات مكثفة، مثل الموصل والفلوجة والرمادي، من أكثر المناطق تلوثا بالألغام.
اقرا ايضا: الموانئ العراقية .. شرايين الاقتصاد الوطني ومعابر التجارة العالمية
جدول أكثر المحافظات العراقية تلوثا بالألغام
المحافظة | المساحة الملوثة (كم²) | عدد الحقول/العبوات | نسبة التطهير حتى 2024 |
---|
البصرة | 1200+ | أكثر من 1000 حقل | 60% |
ديالى | 500+ | 700 حقل | 40% |
الأنبار | 400+ | 650 حقل | 30% |
نينوى | 600+ | 900 حقل (خلال داعش) | 45% |
أربيل | 300+ | 400 حقل | 55% |
المصدر: دائرة شؤون الألغام العراقية – تصريحات 2024
أكثر من 25 مليون لغم يهدد الأمن والحياة
يواجه العراق أحد أكبر تحديات التلوث بالألغام في العالم، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى وجود أكثر من 25 مليون لغم مزروع في أنحاء متفرقة من البلاد، لاسيما في المناطق الحدودية والغربية التي كانت ساحة لصراعات مسلحة متعاقبة على مدى العقود الماضية.
تعد محافظات البصرة والأنبار وديالى من أكثر المناطق تضررا، إلى جانب الأراضي التي شهدت معارك ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ما يجعل عملية التطهير من هذه المخلفات الحربية معقدة وطويلة الأمد.
وفي تصريح صحفي، قال مصطفى حميد، مدير قسم الإعلام والتوعية في دائرة شؤون الألغام العراقية:
“عند تأسيس الدائرة عام 2003، كان حجم التلوث يقدر بنحو 6400 كيلومتر مربع.
اليوم، وبعد مرور عشرين عاما، تمكنا من تقليص المساحة الملوثة إلى 2100 كيلومتر مربع، أي بنسبة إزالة تجاوزت 57%”.
وأكد حميد أن محافظة البصرة تحتل المرتبة الأولى من حيث حجم التلوث، تليها محافظات ديالى، الأنبار، بابل، والمناطق التي تم تحريرها من سيطرة داعش.
كما أشار إلى أن “السقف الزمني لإنهاء ملف الألغام في العراق هو نهاية عام 2028، شريطة توفر الموارد المالية، والكوادر البشرية، واستمرار الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد”.
تسلط هذه الأرقام الضوء على حجم الكارثة التي خلفتها الحروب والنزاعات في العراق، كما تبرز حجم التحدي أمام الجهات المعنية لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المتضررة.
ضحايا الألغام في العراق .. معاناة مستمرة
لا تزال الألغام الأرضية في العراق تحصد أرواح المدنيين وتخلف وراءها مآسي إنسانية مستمرة، رغم مرور سنوات طويلة على زرعها في سياق الحروب والنزاعات المسلحة التي شهدتها البلاد.
هذه العبوات القاتلة لا تفرق بين مقاتل ومدني، وغالبا ما تتسبب بإصابات بليغة أو وفاة، فضلا عن الأثر النفسي العميق الذي تتركه في نفوس السكان، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي تفتقر إلى وسائل التوعية والوقاية.
في شهادة مؤلمة، يروي عبد الغفار مصطفى، أحد ضحايا الألغام، تفاصيل الحادثة التي غيرت مجرى حياته:
“فقدت ساقي إثر انفجار لغم أثناء محاولتي إبطال مفعوله في قرية تابعة لقضاء جومان بمحافظة أربيل، وكان ذلك قبل أكثر من عشر سنوات”.
وأضاف: “مخاطر الألغام كبيرة على المزارعين والرعاة في هذه المناطق، والكثير منهم لا يلتزمون بالإرشادات أو العلامات التحذيرية التي تضعها الجهات المختصة، ما يؤدي إلى سقوط عشرات الضحايا سنويا”.
تشير هذه الحوادث إلى حجم المأساة التي يعيشها المدنيون في المناطق الملوثة، حيث تتحول الأرض التي يفترض أن تكون مصدر رزق وأمان، إلى فخ قاتل يهدد الحياة اليومية.
وفي ظل محدودية الإمكانيات، يبقى المدنيون الحلقة الأضعف في معركة مستمرة مع بقايا حروب لم تنتهِ آثارها بعد.
جدول مقارنة بين أنواع الألغام وتأثيرها في العراق
نوع اللغم | الاستخدام الشائع | المناطق المتضررة في العراق | تأثيره على المدنيين | صعوبة الكشف والإزالة |
---|
لغم مضاد للأفراد | زرع أثناء الحروب الأهلية وحرب داعش | نينوى، الأنبار، ديالى | بتر الأطراف، الوفاة | عالية |
لغم مضاد للدبابات | خلال الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج | البصرة، أربيل، حدود إيران | تدمير مركبات، أضرار واسعة | متوسطة |
عبوات ناسفة مرتجلة (IEDs) | استخدمها داعش والمليشيات | الموصل، الفلوجة، صلاح الدين | تفجيرات عشوائية، ضحايا مدنيين | شديدة |
قذائف غير منفجرة (UXOs) | بقايا من الغارات الجوية أو القصف | كل المحافظات تقريبًا | انفجار عند العبث بها | عالية جدًا |
مصدر البيانات: تقارير الأمم المتحدة ودائرة شؤون الألغام العراقية
تأثير الألغام على البيئة والزراعة
بينما يسلط الضوء غالبا على الألغام باعتبارها تهديدا مباشرا لحياة الإنسان، تغيب في كثير من الأحيان كارثتها الصامتة على البيئة، والتي لا تقل خطورة عن الخسائر البشرية.
في العراق، حيث يعتمد جزء كبير من السكان على الزراعة والثروات الطبيعية، تسببت الألغام في تدمير آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، وحوّلتها إلى مناطق محظورة لا يمكن الاقتراب منها.
هذا التلوث يحرم المجتمعات المحلية من مصدر رزقها الأساسي، ويؤخر جهود التنمية الاقتصادية لسنوات.
الأضرار البيئية لا تقف عند حدود التربة، بل تمتد إلى تلويث المياه الجوفية والسطحية، في بلد يعاني أصلا من أزمة مائية متفاقمة.
وجود الألغام في مجاري الأنهار أو قرب مصادر المياه يؤدي إلى تسرب مواد سامة، ما يعقد توفير مياه صالحة للشرب والاستخدام الزراعي.
ويؤكد بير لودهامر، مدير برنامج العراق في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، أن العمل في هذا الملف يتجاوز الجانب الأمني، ليشمل إعادة إعمار البنية البيئية والاقتصادية:
“نحن نسعى لتهيئة بيئة آمنة تسهم في تعزيز الاستقرار وخلق فرص للتنمية المستدامة، ونواصل دعم الحكومة العراقية في جهودها لإزالة الألغام من أجل تمكين النازحين من العودة بكرامة وأمان”.
في بلد مثل العراق، لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون تطهير الأراضي من بقايا الحروب.
فكل لغم مدفون لا يمثل فقط خطرا على الإنسان، بل هو أيضا عائق أمام الزراعة، والمياه، والحياة نفسها.
اقرا ايضا: خارطة طريق التنمية في العراق .. وثلاثية تحديات النفط والفقر والفساد
إزالة الألغام في العراق … جهود متواصلة تواجه بطء التمويل واتساع التلوث
رغم مضي عقود على نهاية الحروب والنزاعات التي مزقت العراق، لا تزال الألغام المزروعة تحت الأرض تحصد الأرواح وتعوق التنمية، في وقت تبذل فيه الحكومة جهودا مضنية لإزالة هذا الإرث الثقيل.
ورغم الدعم الدولي المقدم، إلا أن وتيرة التقدم تبقى بطيئة ومعقدة بفعل تحديات ميدانية وتقنية ومالية متشابكة.
ويؤكد علي محمد أمين، مدير الشؤون الفنية في مؤسسة شؤون الألغام، أن المناطق الملوثة لا تقتصر على بقعة جغرافية واحدة، بل تمتد عبر مساحات واسعة يصعب الوصول إليها، خاصة تلك التي كانت تحت سيطرة جماعات إرهابية في السنوات الأخيرة.
وقال أمين:
تبلغ مساحة الأراضي الملوثة في إقليم كردستان نحو 776 كيلومترا مربعا.
تضم ما يقارب 3500 حقل ألغام منتشرة على طول الحدود العراقية الإيرانية.
وقد زرعت خلال الحرب في ثمانينات القرن الماضي.
وأضاف: منذ بدء عمليات الإزالة قبل ثلاثة عقود، تمكنا من تطهير نحو 524 كيلومترا مربعا.
إلا أن مئات الكيلومترات لا تزال محتقنة بالعبوات الناسفة،
خاصة في أطراف أربيل ودهوك والسليمانية والموصل، حيث زرع تنظيم داعش آلاف الألغام خلال احتلاله لتلك المناطق.
وأشار إلى أن نقص التمويل وندرة الأجهزة الحديثة، بالإضافة إلى ضعف اعتماد التكنولوجيا المتقدمة، كلها عوامل تبطئ من وتيرة العمل، وتجعل من مهمة إزالة الألغام أكثر تعقيدًا وخطورة.
في ظل هذه الظروف، تبقى آلاف العائلات العراقية محاصرة بالخطر، حيث تهدد كل خطوة في هذه الأراضي الملوثة بأن تكون الأخيرة.
دعم دولي واسع لإزالة الألغام في العراق
لا تنحصر جهود إزالة الألغام في العراق ضمن الإطار المحلي فحسب، بل تحظى بدعم فني ومالي من المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، التي تسهم بدور محوري في مساندة الحكومة العراقية في معركتها الطويلة ضد تلوث الأراضي بالمخلفات الحربية.
وأكد بير لودهامر، مدير برنامج العراق في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، أن دور المنظمة لا يقتصر على إزالة الألغام، بل يتعدى ذلك إلى دعم الاستقرار وإعادة الإعمار:
“مهمتنا هي تعزيز السلامة وخلق فرص للتنمية المستدامة. نواصل دعم الحكومة العراقية ودائرة شؤون الألغام في جهودها للتصدي لهذا التحدي، بما يهيئ لعودة آمنة وكريمة للنازحين العراقيين”.
وبجانب UNMAS، تنشط منظمات إنسانية مثل اليونيسف والصليب الأحمر في تقديم الدعم لضحايا الألغام، سواء عبر الرعاية الصحية أو برامج التأهيل النفسي والجسدي، بالإضافة إلى حملات التوعية المجتمعية التي تستهدف الفئات الأكثر عرضة للخطر، خاصة الأطفال.
التوعية … خط الدفاع الأول ضد الألغام
تمثل نقص المعرفة والوعي بخطورة الألغام أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى سقوط ضحايا جدد، خصوصا في المناطق الريفية والنائية.
ولهذا، أطلقت منظمات محلية ودولية حملات توعية شاملة، تهدف إلى تعريف السكان بكيفية التعرف على الألغام والمواد المتفجرة، وتجنّب المناطق الملوثة.
وقالت ساندرا لطوف، ممثلة منظمة اليونيسف في العراق:
“لكل طفل الحق في طفولة آمنة ومستقرة، خالية من تهديد الألغام والمخلفات الحربية. هذه المخاطر لا تحرم الأطفال من حياتهم فقط، بل تسلبهم حقهم في اللعب والتعلم والنمو في بيئة آمنة”.
تحديات مستمرة رغم التقدم المحرز
رغم الخطوات التي تحققت خلال السنوات الماضية، لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة في ملف إزالة الألغام، لعل أبرزها:
التمويل المحدود
على الرغم من دعم الجهات الدولية، إلا أن الميزانيات المخصصة لا تكفي لتغطية كافة المناطق الملوثة، مما يؤدي إلى تباطؤ عمليات التطهير.
الأوضاع الأمنية غير المستقرة
لا تزال بعض المناطق، خاصة في الموصل ومحيطها، غير آمنة بما يكفي لتسيير الفرق الهندسية، ما يصعب الوصول إليها.
نقص التكنولوجيا والخبرات
في حين تدرب فرق محلية بالتعاون مع منظمات دولية، إلا أن العراق لا يزال يفتقر إلى المعدات الحديثة وتقنيات الكشف السريع التي من شأنها تسريع وتيرة العمل
وفي ظل هذه التحديات، تبقى إزالة الألغام في العراق ملفا مفتوحا يحتاج إلى تنسيق مستمر بين الجهود المحلية والدولية.
لضمان حماية المدنيين، وإعادة الأراضي الملوثة إلى دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
اقرا ايضا: محمد الحلبوسي .. رئيس البرلمان العراقي لدورتين متتاليتين
الأسئلة الشائعة حول الألغام في العراق
نعم، العراق يعدّ من أكثر الدول تلوثا بالألغام في العالم، حيث توجد ملايين الألغام والعبوات غير المنفجرة نتيجة للحروب المتعاقبة منذ الثمانينات وحتى معارك تنظيم داعش الأخيرة.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود أكثر من 25 مليون لغم وعبوة غير منفجرة موزعة في مناطق متعددة من العراق، خصوصا في المحافظات الحدودية والغربية والشمالية.
تشمل المناطق الأكثر تلوثا:
– البصرة (الأولى من حيث عدد الألغام)
– ديالى، الأنبار، نينوى، بابل، وأربيل
وتعتبر المناطق الريفية والحدودية الأكثر عرضة للخطر.
نعم، تنفذ منظمات دولية مثل الأمم المتحدة (UNMAS) واليونيسف بالتعاون مع الحكومة العراقية حملات توعية تستهدف الأطفال والمزارعين وسكان المناطق الملوثة، لتقليل عدد الضحايا من خلال التثقيف والتدريب.
الأسئلة العامة حول الألغام وخطورتها وتأثيرها البيئي
الألغام تمثل خطرا دائما لأنها لا تميز بين المدنيين والعسكريين، ويمكن أن تنفجر نتيجة أي حركة بسيطة. تؤدي إلى بتر الأطراف أو الوفاة، وتسبب آثارا نفسية عميقة لدى الضحايا وأسرهم.
يعتمد ذلك على نوع اللغم والمسافة بينه وبين الشخص عند الانفجار. في بعض الحالات، يمكن النجاة مع إصابات بليغة مثل بتر الأطراف أو فقدان البصر. سرعة التدخل الطبي تلعب دورا كبيرا في فرص النجاة.
تعود فكرة الألغام إلى قرون ماضية، لكن الاستخدام العسكري الحديث للألغام الأرضية بدأ خلال الحرب العالمية الأولى، وتطورت بشكل كبير خلال القرن العشرين، خصوصا في الحروب البرية.
أشهر المنظمات المتخصصة في هذا المجال هي دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، وهي تدير برامج في العراق تهدف إلى إزالة الألغام وتدريب الفرق المحلية وتوفير معدات الكشف والتطهير. كما تنشط منظمات أخرى مثل الصليب الأحمر الدولي ومنظمات عراقية محلية.
الألغام تلوث التربة، وتمنع استخدام آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية. كما تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية بسبب تسرب المواد السامة، وتعيق مشاريع التنمية المستدامة، وتزيد من الهجرة القسرية للفلاحين من أراضيهم.