عمالة الأطفال في العراق
في زوايا الأسواق، عند إشارات المرور، وفي قلب ورشات الحدادة والبناء، أطفال صغار بأجساد أنهكها العمل المبكر، وأرواح هشة فقدت بوصلة البراءة.
هذه ليست مشاهد من فيلم درامي، بل واقع يومي يعاش في العراق، حيث أضحت عمالة الأطفال جزءا مألوفا من المشهد العام، تتغلغل بصمت في تفاصيل الحياة، وتفضح عجز الدولة والمجتمع معا.
أسباب عمالة الأطفال في العراق
السبب الرئيسي | التوضيح |
---|---|
الفقر | أكثر من 25% من العراقيين تحت خط الفقر، مما يضطر الأسر لدفع أطفالها للعمل. |
تفكك الأسرة | الطلاق، العنف الأسري، والإدمان يدفع الأطفال إلى الشارع والبحث عن عمل. |
ضعف التشريعات | غياب قوانين صارمة أو ضعف تطبيقها يجعل الاستغلال ممكنا دون محاسبة. |
انهيار التعليم | بيئة تعليمية طاردة، تسرب مدرسي، وارتفاع تكلفة التعليم الأساسي. |
الأعراف الاجتماعية | بعض المجتمعات ترى في عمل الطفل نوعا من الرجولة المبكرة أو الاعتماد على النفس. |
من المدرسة إلى العمل القسري .. مسار عمالة الأطفال في العراق
أن ينهض طفل في السابعة صباحا لحمل حقيبته المدرسية هو مشهد معتاد، لكن أن يستبدل الحقيبة بمطرقة أو مكنسة في دكان للحدادة أو مقهى شعبي، فذلك مشهد يغص بالأسى.
ملايين الأطفال في العراق انزلقوا من مقاعد الدراسة إلى عالم العمل القاسي، ليكونوا ضحية أولى لأزمات مركبة تبدأ بالفقر ولا تنتهي عند حدود الإهمال التشريعي.
في بغداد وحدها، تشير مشاهدات ميدانية إلى وجود آلاف الأطفال في ورشات السيارات، وعلى الأرصفة كباعة متجولين، أو في المقاهي كعمال يوميين، في ظل غياب الرقابة الفعلية من الدولة العراقية.
بعضهم يشتغل بأجور زهيدة، وآخرون يرغمون على العمل من قبل ذويهم تحت ضغط الحاجة.
أما ما هو أبشع، فهو دخول بعض الأطفال في دوائر مظلمة تشمل التسول المنظم والاتجار بالبشر.
اقرا ايضا: عام 2024 يمر والعراق يغرق في مستنقع الفساد
إحصائيات مرعبة عن عمالة الأطفال في العراق
رغم شح الإحصاءات الرسمية الدقيقة، تقدر نسبة الأطفال العاملين في العراق بنحو 2% من مجموع السكان، أي ما يقارب 800 ألف طفل، بحسب مفوضية حقوق الإنسان.
في المقابل، تشير إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط إلى أن نحو 1.1 مليون طفل عراقي محرومون من حقوقهم في التعليم والصحة، ما يعكس اتساع حجم الانتهاك.
ويرى مختصون، ان رقم عمالة الأطفال وحده لا يعكس الصورة الكاملة.
إذ إن الكثير من الأطفال في الأحياء الشعبية والأرياف يعملون دون تسجيل أو رقابة، ما يجعل الأرقام المقدرة أشبه بنقطة في بحر الانتهاك.
يحتل العراق المرتبة الرابعة عربيا في عمالة الأطفال، خلف اليمن والسودان ومصر، وفقا لتقارير منظمات حقوقية.
ومما يزيد الطين بلة أن نسبة الأطفال العاملين ترتفع كلما اشتد الفقر، أو زادت حالات الطلاق، أو انهارت البنية التعليمية في المناطق المحرومة.
جدول أرقام وإحصاءات عن عمالة الأطفال في العراق
المؤشر | الرقم / النسبة | المصدر |
---|---|---|
نسبة الأطفال العاملين | نحو 2% من مجموع السكان (800,000 طفل) | مفوضية حقوق الإنسان |
عدد المحرومين من التعليم والصحة | 1.1 مليون طفل | وزارة التخطيط |
عدد الأطفال المُعادين لأُسرهم | أكثر من 4600 طفل | وزارة العمل |
عدد الأطفال الذين تلقوا برامج تعليمية | 825 طفلا من المتسربين | وزارة العمل |
ترتيب العراق عربيا في عمالة الأطفال | المركز الرابع بعد اليمن والسودان ومصر | منظمات حقوقية دولية |
الفقر في العراق .. السبب الأول لعمالة الأطفال
الفقر، بلا شك، هو المفتاح لفهم انتشار هذه الظاهرة، فأكثر من 25% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وفق تقديرات وزارة التخطيط.
ومع غياب الدعم الحكومي الكافي للأسر المحتاجة، يصبح الطفل أداة إنتاج.
فتراه يمسح زجاج السيارات عند الإشارات، أو يبيع المناديل في الزحام، أو يحفر بأصابع صغيرة في الرمال للبحث عن رزق.
لكن، المأساة تتجاوز الفقر، لتشمل غياب التشريعات الصارمة، وضعف تطبيق ما هو موجود منها، بل وأحيانا التواطؤ الصامت للمجتمع مع هذه الظاهرة.
ففي بعض الأوساط، ينظر إلى عمل الطفل كنوع من الرجولة المبكرة أو الاعتماد على النفس، ما يعزز بقاء الظاهرة ويشرعنها اجتماعيا.
التسرب المدرسي وأثره في تفشي عمالة الأطفال في العراق
واحدة من أكثر الكوارث المرتبطة بعمالة الأطفال هي التسرب من المدارس.
مئات الآلاف من الأطفال تركوا التعليم بسبب الحاجة إلى العمل، أو بسبب بيئة مدرسية طاردة وغير محفزة، أو ببساطة لعدم قدرتهم على توفير كلفة التنقل والكتب.
وفق بيانات وزارة التربية، فإن نحو 1.1 مليون طفل عراقي محرومون من التعليم الأساسي.
ما يفتح الباب أمام مستقبل غامض، وأجيال قادمة تحمل إرثا من الجهل والتهميش.
استغلال الأطفال .. حين تتحول الأجساد إلى سلعة
في بعض الحالات، لا يقتصر الأمر على العمل بل يمتد إلى استغلال بشع.
تقارير أمنية ومحلية عديدة كشفت عن شبكات تتاجر بالأطفال، تستغلهم في التسول، أو تسخرهم لأعمال إجرامية، أو حتى تُستغل أجسادهم في جرائم لا تليق بالإنسانية.
أجهزة الأمن ألقت القبض على عصابات كانت “تستورد” الأطفال من مناطق فقيرة لتزج بهم في شوارع العاصمة، تحت ستار العمل، وهم في الواقع مجرد أدوات تدرّ المال على تجار الظلام.
المرأة الغائبة والأسرة المتفككة
واحدة من أبرز أسباب عمالة الأطفال هي تفكك الأسرة.
ارتفاع معدلات الطلاق، العنف الأسري، والإدمان كلها عوامل تدفع بالأطفال إلى الهروب من بيوتهم أو تتحول حياتهم إلى صراع يومي من أجل البقاء.
كثير من هؤلاء الأطفال لا يجدون من يوجههم أو يحميهم، ليكون الشارع هو المدرسة، والعمل هو الملجأ.
المرأة، الأم بالتحديد، كثيرا ما تكون مغيبة عن المشهد، إما بسبب الاضطهاد أو بسبب الظروف الاقتصادية التي تضطرها للسكوت عن استغلال طفلها، وأحيانا دفعه للعمل قسرا.
اقرا ايضا: خارطة طريق التنمية في العراق .. وثلاثية تحديات النفط والفقر والفساد
قوانين منسية.. وتشريعات بلا أنياب
رغم توقيع العراق على العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقيتي العمل الدوليتين 138 و182، فإن قانون حماية الطفل ما يزال حبرا على ورق، مؤجلا ومركونا في دهاليز البرلمان.
مشاريع قوانين كثيرة طرحت ثم سحبت، ولجان متعددة شكلت ثم تلاشت.
وبينما تتقاذف الوزارات والجهات المعنية المسؤولية، يزداد عدد الأطفال العاملين يوما بعد يوم.
وماذا عن الحكومة؟ بين الأقوال والخطط المؤجلة
وزارة العمل أعلنت، مؤخرا، عن تشكيل عشر لجان لرصد عمالة الأطفال في بغداد والمحافظات، كما أطلقت خططا تشمل دعم الأسر الفقيرة، وتقديم قروض صغيرة، وتفعيل برامج إعادة الأطفال المنقطعين عن التعليم.
أكثر من 4600 طفل أعيدوا لأسرهم، بحسب بيانات الوزارة، وجرى تقديم برامج تعليمية لـ 825 طفلا من المتسربين.
لكن رغم هذه الجهود، فإن الخبراء يؤكدون أن المعالجات ما تزال سطحية وغير كافية، وأن البلاد تحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة، تتضمن إصلاح التعليم، وتفعيل القانون، وملاحقة العصابات، وتوفير فرص اقتصادية حقيقية.
المجتمع المدني .. الحصان الأسود في معركة الطفولة
في ظل تقاعس الدولة، تصدت منظمات مدنية صغيرة لمهمة مستحيلة: حماية الأطفال العاملين.
مبادرات فردية وجماعية أطلقت مراكز تأهيل، برامج توعية، وحتى مدارس بديلة، لكنها تفتقر إلى التمويل الكافي، وتعاني من بيروقراطية قاتلة.
ما يحتاجه المجتمع المدني اليوم ليس مجرد الدعم المالي، بل شراكة فعلية مع الدولة والمنظمات الدولية، لخوض معركة حماية الطفولة كقضية وطنية لا تخص فقط جهة واحدة.
اقرا ايضا: نور زهير وسرقة القرن .. الاحتيال المالي الأكبر في تاريخ العراق
الأسئلة الشائعة حول عمالة الأطفال في العراق
تنتشر عمالة الأطفال في العراق بسبب الفقر، تفكك الأسرة، ضعف التشريعات، التسرب من التعليم، وغياب الرقابة الحكومية، خصوصًا في المناطق الفقيرة والمهمشة.
تشير تقديرات مفوضية حقوق الإنسان إلى أن نحو 800,000 طفل يعملون في العراق، وهو ما يعادل حوالي 2% من السكان، مع تزايد الأعداد في غياب الإحصاءات الدقيقة.
تؤدي عمالة الأطفال إلى تسرب مئات الآلاف من الطلاب من المدارس، حيث يُجبرون على ترك الدراسة للالتحاق بأعمال شاقة، ما ينتج أجيالا تفتقر إلى التعليم الأساسي.
نعم، العراق صادق على اتفاقيات دولية لحماية الطفل، لكن القوانين المحلية ما تزال ضعيفة التنفيذ، ولا توجد عقوبات فعالة ضد استغلال الأطفال في سوق العمل.
أطلقت الحكومة بعض المبادرات المحدودة، لكن الدور الأبرز يعود إلى منظمات المجتمع المدني، التي تنفذ برامج تأهيل وتوعية رغم ضعف التمويل والدعم الرسمي.