أزمة الكهرباء في العراق
تتجدد معاناة العراقيين مع كل صيف، إذ تتحول موجات الحر اللاهبة التي تتجاوز الخمسين درجة مئوية إلى كابوس مضاعف بفعل الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، والتي تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 12 ساعة يوميا.
وترجع وزارة الكهرباء العراقية جانبا من الأزمة إلى النقص الحاد في كميات الغاز المخصص لتشغيل محطات الإنتاج، فضلا عن تراجع الإمدادات الإيرانية التي تمثل ركيزة أساسية في تلبية جزء من الطلب المحلي.
ورغم مرور أكثر من عقدين على الغزو الأميركي للعراق، وتعاقب الحكومات التي رفعت جميعها شعار إنهاء ملف الكهرباء، لا تزال الوعود تراوح مكانها.
فشبكة الكهرباء الوطنية تعاني من تهالك البنية التحتية، وغياب الخطط الاستراتيجية لتحديثها، فضلا عن الاعتماد المزمن على الاستيراد الخارجي لتغطية النقص في الإنتاج المحلي.
وبينما يطالب الشارع بإصلاحات جذرية تضع حداً لمعاناة الملايين، يرى مختصون أن أي حل مستدام يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستثمارات واسعة في قطاع الطاقة، بعيدا عن المعالجات الترقيعية التي لم تفلح حتى الآن في إنارة صيف العراق المظلم.
إنتاج الكهرباء والطلب في العراق
المؤشر | القيمة | الملاحظة |
---|---|---|
الحاجة الكلية للكهرباء | 48 ألف ميغاواط | لتغطية الطلب المتزايد |
الإنتاج الفعلي | 27 ألف ميغاواط | حتى في أفضل الظروف |
نسبة العجز | 21 ألف ميغاواط | أكثر من 40% عجز |
الاستيراد الخارجي | من إيران وتركيا والأردن | لتعويض الفجوة |
تكلفة الكهرباء في العراق: مليارات الدولارات المهدورة بلا نتائج
منذ تولي أول رئيس وزراء بعد الغزو الأمريكي عام 2003، أنفقت الحكومة العراقية أكثر من 100 مليار دولار على قطاع الكهرباء، لكن دون أن يتحقق تحسن ملموس في جودة الخدمات أو الحد من الانقطاعات المستمرة.
وأفاد مصدر مطلع في وزارة الكهرباء العراقية بأن نحو 48 مليار دولار من هذا المبلغ استثمر مباشرة في إنشاء محطات توليد جديدة، وتوسيع شبكات التوزيع خلال العقد الأول بعد الغزو.
ويعزى جزء كبير من استمرار الأزمة إلى التأثيرات السلبية للمحاصصة السياسية والحزبية التي تعصف بالوزارة، إضافة إلى الفساد المستشري، وعمليات الإتاوات وتمويل الأحزاب السياسية التي تعتمد بشكل شبه كامل على العقود والمشاريع الحكومية، ما يعطل أي جهود جادة لإصلاح المنظومة الكهربائية.
ويقدر العراق حاجته إلى نحو 48 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية لتلبية الطلب المتزايد، في حين لا يتجاوز الإنتاج الفعلي، حتى في أفضل الظروف، 27 ألف ميغاواط فقط، يتم توليدها من الغاز المحلي والمستورد، إلى جانب استيراد الكهرباء من إيران وتركيا، والأردن مؤخرًا، لمواجهة العجز الحاد.
هذه الأرقام ليست مجرد تقديرات، بل تؤكدها مصادر رسمية ومسؤولون كبار في الحكومة، من بينهم المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، الذي أكد أن العراق أنفق مئات المليارات من الدولارات دون التمكن من حل أزمة الانقطاعات الكهربائية.
وأكد صالح أن هذه الأموال كان يفترض بها أن تحول البلاد إلى دولة مصدرة للكهرباء ضمن إستراتيجية الربط الخماسي مع دول الجوار، التي لطالما تبادلت فوائض الطاقة الكهربائية.
ومع ذلك، لم تنجح جميع الحكومات المتعاقبة في تحقيق أي تقدم فعلي، رغم وعود رؤساء الوزراء المتكررة بحل أزمة الكهرباء.
ويستمر هدر المليارات سنويا، فيما يبقى العراقيون يعانون من ساعات انقطاع متواصلة تؤثر على حياتهم اليومية واقتصاد البلاد بشكل كبير.
اقرا ايضا: النفايات في العراق .. أزمة بيئية تهدد الصحة والاقتصاد
مقارنة بين الكهرباء الوطنية والمولدات الأهلية
المصدر | التكلفة | المزايا | العيوب |
---|---|---|---|
الكهرباء الوطنية | شبه مجانية للمواطن | تغطي غالبية الاحتياجات | انقطاع مستمر وضعف الشبكة |
المولدات الأهلية | معدل 10 دولارات لكل أمبير شهريا | توفر تيارا بديلا أثناء الانقطاع | مكلفة – تلوث بيئي – ضجيج |
المولدات الأهلية في العراق: تكاليف باهظة وتلوث بيئي متزايد
تقدر النفقات السنوية التي يتحملها العراقيون لشراء الكهرباء من المولدات الأهلية بنحو 750 مليون دولار، في ظاهرة بدأت تتسع منذ عام 1997 خلال فترة الحصار الدولي على البلاد، واستمرت حتى اليوم نتيجة العجز المستمر في توفير الكهرباء الوطنية.
وكشف مسح حديث أن هناك قرابة 48.5 ألف مولدة كهربائية تعمل بوقود الديزل منتشرة في مختلف محافظات العراق، حيث يشتري المواطنون وحدات أمبيرات كهربائية لا تتجاوز عادة 10 أمبيرات شهريا بسعر لا يقل عن 10 دولارات لكل أمبير.
هذا التيار المحدود لا يكفي إلا لتشغيل الأجهزة الأساسية، فيما تظل أجهزة التبريد والتكييف خارج نطاق الاستخدام، خاصة في ظل موجات الحر الشديدة.
ولا تقتصر الخسائر على الأعباء المالية، فهذه المولدات تسهم بشكل كبير في التلوث البيئي عبر انبعاث مئات الآلاف من الأطنان من الغازات السامة التي تزيد من تفاقم الأمراض التنفسية والمشاكل الصحية لدى السكان.
إلى جانب ذلك، تسبب هذه المولدات تلوثا سمعيا وبصريا في المناطق السكنية والطرقات العامة، إذ يعتمد الكثير من المواطنين والمحلات التجارية عليها بشكل شبه كامل خلال انقطاع التيار الحكومي.
بين نفوذ المولدات الداخلية والاعتماد على الاستيراد الخارجي
وتضاف إلى ذلك أبعاد سياسية واقتصادية معقدة، إذ يستفيد أصحاب هذه المولدات، وغالبا ما يكونون من الشخصيات ذات النفوذ داخل الحكومة، من استمرار أزمة الكهرباء، مما يعزز التواطؤ بين القطاعين الحكومي والخاص ويعرقل جهود الحل.
في المقابل، تحقق إيران أرباحا ضخمة من تصدير الكهرباء إلى العراق، وهو ما يزيد من اعتماد بغداد على مصادر خارجية ويعقد الأزمة الداخلية أكثر فأكثر.
ومع الدخول فعليا لفصل الصيف، تبدو توقعات استمرار أزمة الكهرباء واقعية، خاصة مع العقوبات الأميركية على إيران التي قد تحد من قدرة العراق على استيراد الغاز والكهرباء، ما سيزيد من الضغوط على منظومة الطاقة المحلية التي تعاني أصلا من عجز حاد.
كما أن محاولات الحكومة لاستيراد الغاز من قطر ومصادر أخرى تواجه تحديات كبيرة، في ظل اعتماد البلاد على الغاز المصاحب لاستخراج النفط، الذي من المتوقع ألا يتوفر بشكل كافٍ قبل عام 2028.
هذا الواقع يضع العراق أمام خيار الحلول المؤقتة، التي لا تنهي الأزمة بل تزيد من توتر الشارع، مما قد يؤدي إلى تصاعد موجات الاحتجاجات الشعبية مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، واضطراب الحياة اليومية لملايين العراقيين.
تأثير أزمة الكهرباء على حياة العراقيين
المجال | التأثير الحالي | الملاحظة |
---|---|---|
الصحة العامة | زيادة الأمراض التنفسية بسبب مولدات الديزل | التلوث البيئي والضوضاء أبرز الأسباب |
الاقتصاد | خسائر بمليارات الدولارات سنويًا | تعطل المصانع والشركات الصغيرة والمتوسطة |
التعليم | تعطّل الدراسة بسبب الانقطاع المستمر | اعتماد المدارس والجامعات على مولدات محدودة |
الحياة اليومية | ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب اشتراكات المولدات | يرهق ميزانية الأسر محدودة الدخل |
الأمن | تراجع مستوى الأمان لغياب الإنارة العامة | زيادة الحوادث والسرقات ليلا |
الطاقة المتجددة في العراق: الحل البديل لأزمة الكهرباء
وسط التحديات المتفاقمة التي تواجه منظومة الكهرباء في العراق، تطرح الحكومة خيار الطاقة المتجددة كمسار بديل قد يفتح نافذة أمل أمام ملايين المواطنين الذين أنهكتهم الانقطاعات المتكررة.
فقد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن حكومته شرعت بتنفيذ مشاريع واعدة للتحول نحو مصادر نظيفة للطاقة، مؤكدا أن بعض هذه المشاريع سترى النور وتدخل الخدمة خلال أقل من عام.
وكان تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة قد شدّد على ضرورة أن يتبنى العراق استراتيجية شاملة للتحول إلى الطاقة المتجددة، معتبرا أن الاستثمار في البنية التحتية الخضراء يمثّل الحل الأمثل لتقليص العجز الكهربائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
كما دعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير حديث لها إلى استغلال الإمكانات الكبيرة التي يملكها العراق في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لما توفره من بدائل مستدامة تستهلك كميات أقل من المياه مقارنة بالمحطات الحرارية التقليدية، وهو ما يمنح البلاد فرصة مزدوجة لمواجهة أزمتي الكهرباء والجفاف في آن واحد.
وبينما يرى مراقبون أن هذه الخطوات قد تمثل بداية لتحوّل استراتيجي طويل الأمد، يؤكد آخرون أن نجاحها سيظل مرهوناً بقدرة الدولة على جذب الاستثمارات، وتجاوز معوّقات الفساد والبيروقراطية التي أجهضت مشاريع مشابهة في الماضي.
اقرا ايضا: أزمة المياه في العراق .. الأسباب والتداعيات والخرائط القادمة للعطش
الأسئلة الشائعة
بسبب عجز الإنتاج المحلي، الفساد، الاعتماد على الاستيراد، وتهالك البنية التحتية.
أكثر من 100 مليار دولار منذ 2003 دون حلول جذرية.
نعم، لكن الأمر يتطلب استثمارات طويلة الأمد وإصلاح بيئة الفساد.